ان ما يحكم استراتيجية وتكتيكات الولايات المتحدة الامريكية هدفان جوهريان ،اولهما ضمان مصالحها العسكرية والأمنية والنفطية في العالم العربي ،مشغلة عملائها في المنطقة لتشكيل شرق اوسط كبير ،بفوضاه الخلاقة ،يحافظ على استمرار تدفق النفط والطاقة ،وزرع القواعد العسكرية في منطقة الخليج هذه ،ويبقي على علاقات التبعية والتخلف لدول النفط العربي ،ويمنع حدوث تغيرات شعبية عاصفة تعطل هذا المشروع ،مراهنة على حكومات الاستبداد ومشايخ الامارات ،ومجموعات الاسلام السياسي والمتطرفين خريجي القاعدة وأبناء ابن لاذن ،وثانيهما الحفاظ على ألأمن الاستراتيجي لإسرائيل ،وضمان تفوقها العسكري والاقتصادي والتقني على دول المنطقة لمنع تطورها وتقدمها ،وتعطيل طموحات الشعوب العربية في التحرر السياسي والاقتصادي والديمقراطي ،وتعميق تبعيتها وإلحاقها بالنظام الرأسمالي العالمي والعولمة الفاجرة لامتصاص خيرات الشعوب .
لقد فوجئت الدوائر الامريكية السياسية والعسكرية والأمنية ،بحجم الملايين من الجماهير الثائرة من كل الاعمار والأطياف السياسية ،والقطاعات الاجتماعية المنتفضة والمتمردة ضد سلطة الاستبداد والتبعية وإهدار المال العام ،وبغريزتها النفعية حاولت ان تتخلى بسرعة عن اتباعها من الحكام الاستبداديين ،ومراهنة على علاقاتها السرية مع حركة الاخوان المسلمين التي حاولت منذ فترة طويلة ،فتح خطوط تفاهم وتبادل المصالح مع الادارة الامريكية سرا وعلانية ،وتقديم نفسها كمتعهد جديد ووجه آخر يحقق مصالحها في المنطقة ،فهي الأكثر برجماتية ،والأكثر سمعا وطاعة ،والقادرة على المتاجرة بالدين لأهداف سياسية . ومع فشل المتاسلمين في ادارة الحكم بعد عام من توليهم السلطة في مصر ،خلقت واقعا جديدا لا تقبله الجماهير بعد افتضاح ممارساتها على الارض ،واستحواذها على كافة مؤسسات الدولة الرسمية ،وتطبيق رؤاها الاحادية الجانب ،ودخولها في صراعات على كل الجبهات بدءا من الجماهير صاحبة ثورة 25 يناير 2011 ،مرورا بالأزهر الشريف ،والكنيسة ،والإعلام ،والقضاء ،والجيش والشرطة ،مما سرع في نجاح ثورة 30 يونيو وبدعم وحماية من الجيش ،مما اصاب الادارة الامريكية بالإرباك والتخبط ،وافقدها الصواب لهذه الخسارة الفادحة التي منيت بها ،ولم تعد تدري ما العمل بعد فوات الأوان هذا من جهة ،وعلى الجبهة السورية مع صمود الشعب السوري ونظام الحكم في سوريا ،وإحرازه تقدما ميدانيا على الارض ،وفشل المراهنة على اسقاطه خلال فترة قصيرة ومحدودة ،وسقطت كل الاوهام برغم تعهد الاتباع في المنطقة وخارجها ،وفي مقدمتهم قطر وتركيا والسعودية ،بدأت تبحث عن مبرر جديد لعدوان أطلسي عليها ،وتلفيق الادعاءات والتهم وقلب الحقائق ،باستخدام الجيش العربي السوري السلاح الكيميائي قبل أن تتضح نتائج لجان التحقيق الأممية ،وتواجه سوريا الآن حملة إرهاب مبرمجة ،وقرع لطبول الحرب من قوى الاستعمار القديم والجديد بريطانيا وفرنسا على الأخص ،وبدعم من فلول الجامعة العربية في الاعداد لعدوان على الشعب السوري والفلسطيني ،وانتقلت من حرب الدعاية السوداء الى تحريك السفن الحربية ،وحاملات الطائرات في البحر الابيض المتوسط ،والاستنفار لقوى الاحتلال والتبعية ،لخلق حالة من الذعر ليس في سوريا وحدها بل في كامل المنطقة باعتبارها رسائل لمن يهمه الأمر ،ويحاول أن يتمرد على الطوق الامريكي . لقد تعلمت الجماهير العربية بقواها الديمقراطية والتقدمية والليبرالية وكافة مكونات المجتمع المدني من الشباب والمرأة والعمال والفلاحين والإعلاميين والمبدعين والمثقفين الثوريين ،وكل المسحوقين والفقراء ،كيف تواجه الاستبداد والتبعية ،وان تدافع عن كرامتها ومتطلباتها الحياتية ،واستقلالها الوطني ،بعد أن ارتفع كل يوم وعيها السياسي والعملي بمستوى خمسين عاما ،ولم تعد تحتاج لوصاية من أحد فالجماهير هي المعلم الأول والمعلم الأخير.