أﺣﺴﻦ رﺋﯿﺲ اﻟﻮزراء، د. ﻋﺒﺪاﷲ اﻟﻨﺴﻮر، ﺻﻨﻌﺎً ﺑﺘﺮﻛﯿﺰه ﻋﻠﻰ ﺿﺮورة اﻹﺻﻼح ﻓﻲ داﺋﺮة ﺿﺮﻳﺒﺔ اﻟﺪﺧﻞ واﻟﻤﺒﯿﻌﺎت.
ﻓهذه اﻟﺪاﺋﺮة ﺗﺴﺘﺤﻮذ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺴﻢ اﻷﻛﺒﺮ ﻣﻦ اﻹﻳﺮادات اﻟﻤﺤﻠﯿﺔ ﻟﻠﺨﺰﻳﻨﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ، وﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈن أي ﺧﻠﻞ ﻓﻲ أداﺋﮫﺎ،
وإن ﺑﺪا ﺻﻐﯿﺮا ﻓﻲ ﻧﺴﺒﺘﻪ، ﻳﺒﻘﻰ ﻛﺒﯿﺮاً ﻓﻲ ﻗﯿﻤﺘﻪ اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ. واﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻓﻲ آﺧﺮ اﻟﻤﻄﺎف ﺗﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ أرﻗﺎم ﻣﻄﻠﻘﺔ؛
ﻓﮫﻲ ﺗﺪﻓﻊ اﻟﺮواﺗﺐ ﺑﻤﻘﺎدﻳﺮ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ، ﻛﻤﺎ ﺗﻘﺒﺾ ﺿﺮاﺋﺒها ورﺳﻮﻣها وﻏﺮاﻣﺎﺗها ﺑﺄرﻗﺎم ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ، وﻟﻮ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺤﺪدة
ﻛﻨﺴﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺸﺮﻳﻊ اﻟﺬي ﻳﻨﻈﻤها.
ﻟﻜﻦ اﻹﺻﻼح اﻹداري ﻳﺠﺐ أﻻ ﻳﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ داﺋﺮة واﺣﺪة، ﺑﻞ ﻳﺠﺐ أن ﻳﻤﺘﺪ إﻟﻰ ﻛﻞ دواﺋﺮ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ. وآن ﻟﻨﺎ أن ﻧﺼﻞ
إﻟﻰ إدراك ﻋﻤﯿﻖ ﻟﻤﻌﻨﻰ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ اﻟﻮاﺿﺤﺔ، وأن ﻧُﺪﺧﻠﮫﺎ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﻋﯿﻨﺎ اﻹﺻﻼﺣﯿﺔ؛ ﻋﻤﻼً
وﺗﺨﻄﯿﻄﺎً وﺗﻨﻔﯿﺬاً وﺗﻘﻮﻳﻤﺎً وﺗﺼﻮﻳﺒﺎً.
اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻷوﻟﻰ، ھﻲ أن إﺻﻼح اﻟﻘﻄﺎع اﻟﺨﺎص وﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻪ ﻟﻦ ﻳﺘﻢ ﺑﺪون ﺗﻘﻮﻳﻢ اﻷداء اﻟﺮﺳﻤﻲ. ﻓﻜﻞ ﻣﺆﺳﺴﺎت
اﻟﻘﻄﺎع اﻟﺨﺎص واﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻤﺪﻧﻲ ﻣﻨﻈﻤﺔ ﺑﺘﺸﺮﻳﻌﺎت ﺗﺸﺮف اﻟﺪواﺋﺮ اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﻔﯿﺬھﺎ. ﻓﺈذا أﺣﺴﻨﺖ
اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ دورھﺎ، أﺣﺴﻦ اﻟﻘﻄﺎع اﻟﺨﺎص دوره.
اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ، ھﻲ ﻓﮫﻤﻨﺎ أن اﻟﻔﺴﺎد إﺧﺮاج ﻟﻸﻣﻮر ﻋﻦ ﻃﺒﯿﻌﺘﮫﺎ. وﻟﻘﺪ ﻗﺒﻠﻨﺎ أن ﻃﺒﯿﻌﺔ اﻷﺷﯿﺎء ﻓﻲ اﻟﺴﻮق
ﺗﺘﻄﻠﺐ دﻓﻊ اﻟﺴﻌﺮ اﻟﻌﺎدل ﻟﻠﺴﻠﻌﺔ أو اﻟﺨﺪﻣﺔ، وأي اﻧﺤﺮاف ﻋﻦ ذﻟﻚ اﻟﺴﻌﺮ ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﺒﺎﺋﻊ أو اﻟﻤﺸﺘﺮي ھﻮ ﺗﺸﻮﻳﻪ
ﻟﻼﻗﺘﺼﺎد. وﺗﺒﺪو اﻟﺤﺎل ذاﺗﮫﺎ ﺑﺘﻄﺒﯿﻖ أﺳﺲ ﻏﯿﺮ ﻋﺎدﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻮﻇﯿﻒ، أو ﺑﺎﻟﺘﻤﯿﯿﺰ ﺑﯿﻦ اﻟﺬﻛﻮر واﻹﻧﺎث ﻓﻲ اﻟﺮواﺗﺐ
ﻟﻨﻔﺲ اﻟﻌﻤﻞ، أو ﻣﻨﺢ اﻟﻮﻇﯿﻔﺔ ﻟﻤﻦ ﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﯿﮫﺎ ﻷﻧﻪ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﻟﺬﻟﻚ.
آن اﻷوان ﻷن ﻧﻌﻄﻲ اﻟﻌﺪاﻟﺔ ﻣﻜﺎﻧﮫﺎ اﻟﺤﻖ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﻣﺒﺪأ اﻟﻤﺴﺎواة. ﻓﺎﻟﻤﺴﺎواة ﻓﻲ ﻓﮫﻤﻨﺎ ﺗﺠﻌﻞ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ﺧﻂ
واﺣﺪ، ﻛﻠﮫﻢ ﻳﺮﻳﺪ ﻣﺎ ﻳﺄﺧﺬه اﻵﺧﺮ. ﻟﻜﻦ اﻟﻌﺪاﻟﺔ ھﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮّق ﺑﯿﻦ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ أﺳﺲ اﻟﻜﻔﺎءة؛ ﻓﻤﻦ ﻏﯿﺮ اﻟﻌﺪل
أن ﻧﻮازي ﺑﯿﻦ اﻟﻜﻔﺆ وﺑﯿﻦ ﻏﯿﺮ اﻟﻜﻔﺆ.
أﻣﺎ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ، ﻓﮫﻲ أن ﺣﺠﻢ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻛﺒﯿﺮ ﺟﺪاً. ووﻓﻘﺎً ﻟﺪراﺳﺔ اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ اﻟﻘﻮى اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ اﻷردن، ﻓﺈن
ﻋﺪد اﻟﻌﺎﻣﻠﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﺪواﺋﺮ اﻟﺮﺳﻤﯿﺔ ﻳﺴﺎوي ﻋﺪد اﻟﻌﺎﻣﻠﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﻄﺎع اﻟﺨﺎص ﺗﻘﺮﻳﺒﺎً. وھﺬا رﻗﻢ ﻣﺬھﻞ
ﺑﺎﻟﻤﻘﯿﺎﺳﯿﻦ اﻟﻤﻄﻠﻖ واﻟﻨﺴﺒﻲ. وﻟﺬﻟﻚ، ﻓﺈن وﺿﻊ ﺧﻄﺔ ﺗﺪرﻳﺠﯿﺔ ﻟﺘﻐﯿﯿﺮ ھﺬه اﻟﻨﺴﺒﺔ ﻳﺼﺒﺢ ﺟﺰءاً ﺻﺤﯿﺤﺎً
وأﺳﺎﺳﯿﺎً ﻣﻦ اﻹﺻﻼح اﻟﻌﺎم ﻹدارة اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ وﻣﺆﺳﺴﺎﺗﮫﺎ.
ﺗﺘﻤﺜﻞ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻓﻲ ﺿﺮورة ﻧﻘﻞ اﻹدارة ﻣﻦ وﺿﻌﮫﺎ اﻟﯿﺪوي وﻏﯿﺮ اﻟﻤﻨﺘﺞ، إﻟﻰ أﺳﻠﻮب اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﯿﺔ.
وھﺬا ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﻓﻘﻂ إدﺧﺎل اﻟﺤﻮاﺳﯿﺐ واﻹﻧﺘﺮﻧﺖ وﻏﯿﺮھﺎ ﻣﻦ أدوات ھﺬه اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ، ﺑﻞ ﻳﺘﻄﻠﺐ وﺿﻊ اﻟﻤﺤﺘﻮى
واﻟﺒﺮﻣﺠﯿﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ إدارة اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ أﻗﻞ ﺷﺨﺼﻨﺔ وواﺳﻄﺔ، وأﻗﻞ اﺟﺘﮫﺎدات ذاﺗﯿﺔ اﺑﻨﺔ ﻟﺤﻈﺘﮫﺎ. اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ
اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﯿﺔ ھﻲ ﻃﺮﻳﻘﺔ أو وﺳﯿﻠﺔ، ﻟﻜﻦ ﺗﻨﻔﯿﺬھﺎ ﺑﻨﺠﺎح ﻳﺮﻓﻊ إﻧﺘﺎﺟﯿﺔ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ، وﻳﻘﻠﻞ ﻣﻦ ﻓﺮص اﻟﻔﺴﺎد وﻳﻌﺰز
اﻟﺸﻔﺎﻓﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﻠﯿﻤﺎت وﺗﻄﺒﯿﻘﮫﺎ.
أﻣﺎ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﺨﺎﻣﺴﺔ، ﻓﮫﻲ أن ﻋﺐء اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻤﺎﻟﻲ، وﺑﻨﺪ اﻷﺟﻮر واﻹﻧﻔﺎق ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻣﻠﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﺪواﺋﺮ اﻟﻌﺎﻣﺔ،
ﺑﺎﺗﺎ ﻳﺸﻜّﻼن ﺛﻘﺒﺎً أﺳﻮد ﻓﻲ اﻟﻤﻮازﻧﺔ ﻻ ﻗﺮار ﻟﻪ، وﻳﮫﺪد ﺑﺎﻻﺗﺴﺎع. وﻗﺪ ﻧﺼﻞ إﻟﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻳﺼﺒﺢ ﻓﯿﮫﺎ ھﻢ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ
اﻟﻮﺣﯿﺪ ﺗﺪﺑﯿﺮ اﻟﻤﺎل ﺑﻐﺾ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ، ﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﻮاﺟﮫﺔ اﻻﻟﺘﺰاﻣﺎت اﻟﺸهرﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺧﺰﻳﻨﺔ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ. وﺑهذا
ﺗﻔﻘﺪ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﯿﺔ اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ ﻗﺪرﺗﮫﺎ ﻋﻠﻰ أداء اﻟﻮﻇﯿﻔﺘﯿﻦ اﻟﻤﮫﻤﺘﯿﻦ اﻷﺧﺮﺗﯿﻦ، وھﻤﺎ اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ، وإﻋﺎدة اﻟﺘﻮزﻳﻊ
ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎدل ﺑﯿﻦ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻨﺎس واﻟﻔﺌﺎت؛ وﻓﻲ ھﺬا ﺗهدﻳﺪ ﻟﻸﻣﻦ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻟﻠﺪوﻟﺔ.