ان ذكرى الخامس والعشرون من أيار من كل عام يوم خالد من أيام الشعب الأردني ، إنه يوم التضحية والانجاز شهد له التاريخ ، إنه يوم الحرية والكرامة التي صنعها الثوار من أبناء الوطن ، فالاستقلال صورة مشرقة في تاريخ الأردن حيث سجل فيه أبناء الوطن صفحات خالدة من الثورة والتضحية والبطولة من أجل حرية وكرامة هذا الوطن ، حيث حمل أحفاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم آل هاشم الأطهار الذين قادوا الثورة للدفاع عن استقلال الأمة ، وبعد جهد طويل ونضال مستمر اعترف العالم باستقلال الأردن كدولة مستقلة ذات سيادة على ترابها الوطني ، حيث يمثل هذا اليوم صنع بداية مرحلة جديدة ومجيدة في تاريخ الأردن لتحقيق الكثير من المكاسب والإنجازات التي كانت موضع الفخر والثناء... والتي تمثل طموحات وتطلعات الأسرة الأردنية في النهضة لتعزيز الثقة بالمستقبل.
وفي ذكرى الاستقلال نستذكر عظماء بني هاشم الذين قادوا مسيرة التحرر والاستقلال بداية بالشريف الحسين بن علي رحمه الله ثم الملك عبدالله الأول الذي قدم روحه من أجل كرامة الأمة جمعاء مروراً بباني الأردن الحديث جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه.
وصولاً لقائد المسيرة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين الملك الذي نحبه ، الذي يعمل ليل نهار من أجل إكمال مسيرة البناء ليبقى هذا الوطن شامخاَ بإنجازاته ، فارتفعت منارات العلم وازدهر الاقتصاد ، وها هو جيش أبو الحسين وأجهزته الأمنية يذودون بأرواحهم عن الوطن حتى غدا هذا الوطن واحة أمن واستقرار ومحط أنظار العالم كله ، وها هي صور ومظاهر التقدم الاقتصادي شاهدة على مسيرة البناء والتنمية الشاملة في جميع مجالات الحياة المختلفة.
ان الاستقلال حدث رائع في تاريخ الأردن، وان الذين واكبوا تلك الايام يعرفون حجم الانجاز الذي تحقق خلال العقود الماضية حتى غدا الاردن نموذجا يحتذى في العلم والطب والسياسة والثقافة والتقدم والازدهار. لقد تجاوز الاردن بقيادته الهاشمية المظفرة كل الصعاب والعقبات التي واجهت مسيرته فكانت نكبة فلسطين اول الامتحانات التي واجهت الاستقلال بعد عامين فقط من ارتفاع راية الحرية في سماء عمان وكان هذا البلد الذي يعتز بأنه وريث الثورة العربية الكبرى هو الحضن الدافئ لكل الاخوة الذين فقدوا كل ما يملكون في فلسطين واقتسام الانصار من ابناء الاردن مع اخوانهم المهاجرين من فلسطين لقمة العيش وسط ظروف اقتصادية صعبة وبقي الاردن المدافع والحامل لراية الحق الفلسطيني.
لقد حقق الاردن انجازات في كل المجالات فكان طودا منيعا وواحة معرفة تضخ بالعلماء والادباء والاطباء والمهندسين والمثقفين. واننا نتباهى بأن ابناء هذا الوطن الغالي قد أسهموا في بناء نهضة علمية في العديد من ارجاء الوطن العربي حتى ان كبار المسؤولين في دول خليجية يعتزون بأنهم تتلمذوا على ايدي اساتذتهم في الجامعات والمعاهد العسكرية الاردنية.
لقد أصبحت الأردن عضوا مؤسسا لجامعة الدول العربية في عام 1945، وكدولة مستقلة، فإنها انضمت إلى الأمم المتحدة في عام 1955. أعلن الملك الحسين في سنة 1956 تعريب قيادة الجيش بإعفاء كلوب باشا من منصبه كقائد للجيش الأردني، وتسليمها إلى ضباط أردنيين. وبعدها تم الغاء المعاهدة الانجلو-أردنية (الأردنية البريطانية) في 13 ـ 3 ـ 1957, فقد كفل هذا العمل على التأكيد الكامل لسيادة الأردن كدولة مستقلة استقلالا تاما.
نجح الأردن خلال عقود من الاضطراب السياسي الإقليمي في المحافظة على استقراره وبناء قواعد متينة للنمو الاقتصادي، حيث تعامل مع الأزمات الإقليمية بطريقة مكنته من بناء علاقات طيبة مع كافة دول الجوار، وأصبح في السنوات الماضية مركزا إقليميا للمستثمرين وأصحاب الأعمال. وقد أظهر المستثمرون ثقتهم في الأردن من خلال أفتتاح أكثر من 10،000 شركة وما يزيد عن خمسين مشروعا تجاريا لشركات متعددة الجنسيات، وساهمت جهود المستثمرين في خلق زخم عالي لنمو الاقتصاد وطور البلاد تجلت آثاره في الحركة العمرانية والصناعية والسياحية المزدهرة. يمتلك الأردن جيش وجهاز شرطة متطورين ومدربين تدريبا جيدا وفعالا أثبتا فاعلية في الحفاظ على الأمن والاستقرار وسرعة في التعامل مع أي طارئ. يضع تقرير التنافسية العالمية 2007 – 2008 الأردن في مصاف الدول الآمنة في الشرق الأوسط والعالم. حيث حصل الأردن على المرتبة 14 في العالم، والأولى في المنطقة، من حيث فاعلية خدمات الشرطة، في حين حصلت مصر على المرتبة 57، إسرائيل 53، أمريكا 20، وبريطانيا 29. وحصلت الأردن في إطار مكافحة الجريمة المنظمة على المرتبة التاسعة عالميا (المرتبة الأولى بين دول الشرق الأوسط)، فيما حصلت مصر على المرتبة 32، إسرائيل 36، بريطانيا 43، الهند 68، الصين 92 عالميا. تثبت هذه الإحصائيات ان الأردن من إكثر الدول أمنا في العالم.
رغم ما يحيط بالمنطقة من بؤر متوترة، و رغم اشتداد الضيق على هذا البلد الطيب، و مهما يُثار من تساؤلات كثيرة بغض النظر عن مصدرها؛ تشكيكاً أم شفقةَ على جسم هذا الوطن الصغير مساحة، الكبير حجماً، إلا أنني أجد في كل هذا التلاطم ضوءاً من قنديل صغير بوسط هذا الركام اسمه الاستقلال، يتوهج بريقاً، و يستمد زَيته من تاريخ مجيد طوال المئة العام الماضية من عمر الدولة الأردنية.
نعم يجب أن نحتفل بهذا اليوم أو نعظِّمه أو نلقي الضوء عليه، و لا نمر عليه المرور مرور الكرام لسبب رئيس برأيي ألا وهو إعطاء دفعة أمل لمواطن قابضٍ على ما تبقى من مواطنته بأن البلد بخير، أو لمغترب تسوّد الدنيا بوجهه و هو يتابع قنوات البزنس الفضائية و هي تنهش بما تبقى من لحم نكسو به هيكل الوطن العظمي، و يراه متماسكاً لا ينحني، بأن بلده ما زال متماسكاً. نريد أن نعطي الأمل لأطفالنا في ديار الاغتراب الذين يحتفلون بأي شأن أردني كحضور نادٍ أردني لعندهم و يحقق فوزاً: يخطّون لوحاتِ الترحيب بأناملهم الصغيرة و يزينوها ( بنحبك يا أردن) و يطوقون أعناقهم بالشماغ الأحمر و يباهون باقي الأطفال من الجنسيات الأخرى و يقولون نحن أردنية. نحتفل به و نحن نرى الأخ العربي يلوح لنا بمساعدة و معها ورقة بشروطٍ أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها لا تتناسب مع مبادئ هذا البلد، و يجد هذا البلد من الكرامة ما يدفعه لرفض هذه المساعدة مع الشكر للصديق.