أوتي الإنسان عقلا مميزا , وزوّد بالحواس من سمع وبصر وغيرها لتنقل لعقله صورة الواقع ليحكم عليه حكما صحيحا فيتعامل معه كما يجب وينبغي , ولكنّ الإنسان عندما يغلق سمعه وبصره ويعطّل عقله ويصبح مجرد أداة يتلاعب بها المتلاعبون يظهر بمظهر مزر مثير للسخرية والشفقة , فتجده يركض ذات اليمين وذات الشمال , فلا يحقق هدفا , ولا يصل لغاية , ولا يتقدّم خطوة .
قوى الفساد والاستبداد العالمي وأدواتها الإقليمية تستخدم الإعلام الموجّه لتحقيق غاية سلب العقول , وإدامة التخبط والتيه إلهاء للناس عن فسادها واستبدادها , وقتلا للروح الجماعية , وتعزيزا للنزعة الفردية الأنانية العدائية , ومسخا للفضائل التي اتفقت عليها عقول بني الإنسان وتوارثتها الأجيال ليكون الإنسان عبدا منخلعا من جذوره وتاريخه وموروثه فيسهل استخدامه واستغلاله لخدمة تلك القوى الجشعة البشعة التي تريد الاستئثار بكل شيء .
قوى الفساد والاستبداد العالمي وأدواتها الإقليمية تستخدم الإعلام الموجّه لتحقيق غاية سلب العقول , وإدامة التخبط والتيه إلهاء للناس عن فسادها واستبدادها , وقتلا للروح الجماعية , وتعزيزا للنزعة الفردية الأنانية العدائية , ومسخا للفضائل التي اتفقت عليها عقول بني الإنسان وتوارثتها الأجيال ليكون الإنسان عبدا منخلعا من جذوره وتاريخه وموروثه فيسهل استخدامه واستغلاله لخدمة تلك القوى الجشعة البشعة التي تريد الاستئثار بكل شيء .
يذكر المفكر تشومسكي طبيعة الاستراتيجيات الممنهجة فيقول إنها إلهاء الرّأي العام وتحويل انتباهه عن المشكلات المهمّة , ومواقف النّخب السياسية والاقتصاديّة الساعية إلى السيطرة وتحقيق المصالح، وذلك عبر سيل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة , وفي هذا السياق يندرج أيضاً أسلوب الضخ الإعلامي المتواصل باتجاه قضية ما،
باستخدام الصورة والمؤثرات الصوتية والأخبار المتلاحقة تحت عنوان خبر "عاجل” بعرض لامع باللون الأحمر.
كلنا نذكر الأحداث الماضية التي عاشها الوطن من ارتفاع بالأسعار , ثم معركة الانتخابات وما نتج عنها حيث ظلّ الرأي العام المحلي لا هم له إلا بالحديث عن هذه الانتخابات ثم تبع ذلك انتظار , ومجادلات ومساجلات وتحليلات في جميع وسائل الإعلام المتاحة وفي المجالس والشارع وفي كلّ مكان عن شخصية رئيس الوزراء , ثم تبعته أخبار معارك وضحايا سوريا ونكبة الزعتري , وكأننا سنحلّ مشكلات سوريا ونحن العاجزون عن حل مشكلة شغب طلابي في جامعة فانشغل الناس بين مطبّل لبشار ونظامه , ومن يدعمه وبين معارض له , ومصفق للثوار فلم يستفد نظام بشار من المطبلين له , ولم يستفد الثوار من المصفقين لهم وكلّ ما جناه مجتمعنا هو عداء بين الطرفين وكراهية وانشغال عن الهمّ الوطني , ثمّ يدخل على الخط العنف الجامعي المرض العضال القديم الجديد فتطفح مواقع التواصل الاجتماعي بما يندى له الجبين من مهاترات تؤجج نار الفتنة , وتغطي على كل صوت عاقل حكيم يريد رأب الصدع , وإصلاح الخلل , وإطفاء النار , فيزداد النسيج المجتمعي تمزّقا وتشرذما في ظروف استثنائية تنذر بعواقب كارثية .
ثمّ تأتي قصّة احتفال السفارة العراقية والاعتداء من قبل أعضائها على مواطنين أردنيين فتنبري الأقلام والألسنة والحناجر لصرف المسار إلى هذا المنحى , فتستثار حمية الشعب , ويصرف النظر عن حيثيات الحادث وما حوله من علامات استفهام تستوقف الجميع , أدناها إدراك الجهات المختصة أن دخول مؤيدي نظام العراق السابق للحفل سيؤدي إلى ما أدّى إليه , وأقلها كان عدم السماح لهم بالاحتفال بشتم رئيس يحبّه الشعب الأردني ولا يقبل بأن يشتم على أرض أردنية !! لم يقف أحد عند ذلك وإنما ارتفعت الأصوات مطالبة بالثأر للكرامة الوطنية غير ملتفتة لمن اعتاد امتهان تلك الكرامة صباحا مساء أزلا أبدا !!
فإلى متى وفضائيات الفتنة وإعلام التخريب يمارس سلب العقول وتضليلها واستنفار الغرائز واستثارتها للتدمير النفسي والعقلي للشعب , وتمزيق ما أمر الله به أن يوصل من الروابط الإنسانية المقدسة , والعلاقات التي بها يكون الإنسان كائنا اجتماعيا متعايشا مع بني جنسه ؟؟ وإلى متى يستمر استهداف الشعب العربي بما يزيده ذلاّ وهوانا وتشرذما ليظلّ مستعبدا للآخرين يعاني الفقر والقهر وكنوز سليمان تحت أقدامه , فتسلب منه وهو يتضوّر جوعا وفقرا وهوانا ؟؟
إني ألوم الشعب الذي ارتضى أن يكون دمية يتلاعب بها الماكرون والفاسدون , فبمجرد ما أن يقوم ماكر برفع عنوان لفتنة جديدة أو ملهاة تدافعوا إليه هادرين مزمجرين منفذين الدور بكلّ حماس , والمشكلة أنّه نظريا يعلم ويدرك نظريا أنّ تلك ألاعيب لإلهائه وإشغاله وتدميره ولكنّه عند أول امتحان يسقط فيها , وينفذها بطريقة تثلج صدور المتآمرين , وتفوق توقعات الماكرين والمخربين !!
هذا دأب الشعب أمّا الحراك الذي يفترض فيه أنّه يمثّل طليعة الشعب فهو كما وصفه أحد المتابعين حيث يقول : ((إنني لأصاب بالذهول وأنا أتابع وأشاهد ما يجري , إنّني أشاهد سوقا للأفكار والمشاريع الإصلاحية أشبه ما يكون بسوق الخضار , عجيج وضجيج , وهدير وزئير من جميع الجهات , والدعوة إلى عشرات الاتجاهات , وفي هذا الضوضاء تغيب الطروحات الصحيحة , وتضيع التحذيرات الصادقة , وتجهض المشاريع الحقيقية , لقد اختلط الحابل بالنابل , ولم نعدّ نميّز بين بائع القثاء وبائع الذهب , وعارض العسل النقي والعسل المسموم , أتساءل عن هذا الكم الهائل من الهيئات والتكتلات التي تفرّخ باستمرار )) انتهى . وأنا أتساءل عن تلك العناوين الصغيرة والفرعية التي ينشغل بها الحراك والتي لا علاقة لها بالصلاح والإصلاح لا من قريب ولا بعيد , فمتى كان إصلاح الدول ينحصر بالشخصنة والأشخاص ؟؟ ومتى كان النهج السياسي في البلدان التابعة وحتى المستقلّة يخضع لأهواء الأفراد ؟ ومتى كان إصلاح الأوطان يأتي باعتصمات ومسيرات لها كلّ يوم عنوان ؟؟ ومتى كانت المسيرات المبرمجة التي أصبحت جزءا من الروتين طريقا للإصلاح ؟ هل نقول بملء الفم إننا لا نعرف ما نريد ؟؟ وإذا عرفنا ما نريد فإننا لا نعرف الطريق الموصل إليه ؟ وإذا عرفنا الطريق فإننا لا نرغب بسلوكه لأكثر من مائة سبب وسبب ؟؟
وهل يحق لي أن أتساءل : ما هو السرّ العجيب الذي يتحكم في بوصلة الشعب ومشاعره ؟؟ بالأمس كان همه الأكبر هو حديث العنف الجامعي , وأحداث الجنوب واليوم الكرامة المسفوحة على أعتاب سفارة المالكي فهل أبارك له بتنفيذه متطلبات سياسة الإلهاء الممنهج !! وأتساءل بكل مرارة وألم متى نستيقظ , ونحصن مجتمعنا وشعبنا من استراتيجيات الإلهاء ؟؟ أراهن بأننا في الأسابيع القادمة سننشغل بملهاة أخرى !!
منى الغبين.
...