انشغلنا ببرقيات التهنئة للبعثات الدبلوماسية بأعيادها الوطنية، وعبارات التهليل والتمجيد بسفراء بعض الدول العربية والأجنبية، بل نالوا من المديح والثناء ما ناله مخترع الطائر بدون طيار التي اعتلت سماء الجنوب، حتى بتنا نخشى على الضيف من فداحة الضيافة التي تقدّم له ويستنزف من بلدنا عبارات التهليل والترحيب، وبرقيات التغزل، والمحبة، وباقات الورود التي تفوح رائحتها بسفارات الضيوف وكأنها جنة ارتأينا لها المجد والعلو.
متى أصبح الأردني يطعن وهو في عقر داره؟ ويكبّل كما يكبّل العابثون بأمن الأوطان، ويسّحل كما يسّحل المتجبّرون في الأرض، وتصبح الأرض الذي عشقها، كعشق الطفل لأمه، ممراً ليس آمناً له، بل يؤتمن الآخرون في بقاع الأرض بحمايات أمنية ولوجستية قلّ نظيرها، وهذا بالطبع من شيم الأردنيين، ولكن قد تكون نتيجة حتمية لسياسات الاسترضاء من أجل نفع اقتصادي ضئيل.
بالأمس كان الأمن الأردني في مرمى نيران مخيمات اللاجئين في الزعتري، الذين استقبلناهم استقبال الأبطال نظراً للعمق الإنساني الذي يتربع في قلوب الأردنيين، حتى قدّمنا لهم الماء، والطعام الذي تفتقده العديد من الأسر الأردنية والتي تقبع تحت خط الفقر. ولم يشفع لنا الكرم الأردني في استقبال المصابين من دولة ليبيا الشقيقة والذين نالوا رعاية طبية قد لا تقدّم لبعض العوائل الأردنية ومع ذلك تعرضنا للتجريح والإساءة، حتى تعرّض رجال الأمن والأطباء للتهديد والوعيد فباتت مرافقنا الخدماتية منتجعاً سياحياً لهم، فأغرقوا فنادقنا ومستشفياتنا بالأزمات المالية نتيجة سياسات المراوغة والاحتيال.
وأخيرا انتهينا بمسلسل السفير العراقي الذي استباح كل المحرّمات وهي كرامة الأردني التي بقيت على مدى القرون الماضية شامخة كالطود لا نسمح لكل حاقد ومتعجرف وطامع بالأمس بها، لأنها شرفية مقدسة لا يجاريه سوى الموت للدفاع عنها.
إذن لما استأسد الآخرون علينا؟ ونحن في عقر دارنا، وبمؤسساتنا الوطنية، سؤال يستحق أن يجيب عليه صنّاع القرار في بلدنا العزيز والذين تغنّوا بالسياسات الاقتصادية والاتفاقيات المخملية والتي ستجني للمواطن الأردني المنّ والسلوى، في ظل غياب الرقابة الحقيقية على موطن الضعف الذي يعتليها.
فسلّمنا أنفسنا اقتصادياً وسياسياً للآخرين، وهذا بالطبع كان نتيجة حتمية للضعف المالي في إدارة القروض، والمنح التي انهالت علينا كالمطر، ليس كلها بالطبع حباً فينا إنما حباً في السيطرة على شركات ومرافق الدولة الحيوية، والذي سهّل من هذه المهمة ضعف بعض النفوس التي تطاولت على المال العام، فنهبت وسلبت، وبالتالي هربت للتمتع بثرواتها.
لذلك أصبح الحيط المنيع والحصين للمواطن الأردني يشعر بهزّات ارتدادية، ساهمت سياسات الاسترضاء، والمجاملات السياسية، والمنافع الشخصية في هذا الخطر.