راتب عبابنه
بمنتهى الاستغراب والإستهجان تلقينا خبر تشريع قانون يسمح بتعاطي المخدرات للمرة الأولى. ويقتضي القانون عدم تطبيق العقوبة على المتعاطي بحال ثبت أنه تعاطي للمرة الأولى. والغريب في الأمر أن الدول تشدد العقوبات وتغلظها على متعاطي المخدرات سواء المدمنون أو من دخلوا بالتجربة مجددا. وهي عملية تسهيل وتشجيع وطمأنة للذين تتوفر لديهم أسباب الإنحراف والدخول بالحرام. ولماذا وسيرا على هذه القناعة وهذا الإجتهاد لا يعفى القاتل والسارق من العقوبة إذا مارس القتل أو السرقة للمرة الأولى؟! القاعدة الشرعية تقول: ما كثيره حرام فقليله حرام. فكيف بحكومة دولة مسلمة أقسم أعضاءها على القرآن والإنجيل ومجلس نواب كذلك يتجرأون على سن وتشريع وتصديق مثل هكذا قانون يؤيد ويحض على الحرام ويعمل على تسهيل وتوفير سبل الإنحراف والوقوع بالحرام وأذى النفس؟؟
أين موقف ورأي دائرة قاضي القضاة، ودائرة الإفتاء ووزارة الأوقاف وأين كل الذين لديهم الغيرة على الدين والوطن والمواطنين؟؟ ألم يطرق مسامعهم هذا الهراء الذي جعل مكافحة المخدرات فضفاضة ورخوة مما يخلق المخرج السهل للذين يستحقون عقوبة التعاطي؟؟ وهو الشيء الذي يعطي هامشا واسعا وقانونيا للتعاطي بحجة المره الأولى.
هناك تقليد متبع بدول الغرب تحت مسميات " الإستعمال الشخصي" و" للمرة الأولى " و" كمية محدودة " ...... إلخ من التسميات التي تعطي هامشا من الحرية يغري ضعيفي الأيمان والعقيدة للدخول بهذا العالم دون تردد. من فكر وأوحى ودفع وشجع وأقر مثل هذا القانون إما جاهل وهذا نستبعده عن صناع قراراتنا الأردنية حيث هم جهابذة بالقيادة والإدارة وخلق الحلول, وإما ناقص إيمان وعقيدة وهذا وارد, وإما مندس دخيل يعمل ضمن عصابة من أهلكوا اقتصاد الوطن وأفقروا المواطن، فلم يبقى أمامهم إلا توفير السبل والقوانين الحامية للمنحرفين والمدمنين وبذلك تسهل سيطرتهم على المجتمع وثوابته، مما يؤدي لتوجيه الناس نحو ما يعمل على تحقيقه هؤلاء الدخلاء والبرامكة وأغطيتهم. مثلث متساوي الأضلاع نراه يُرسم, الضلع الأول هو الفساد (فقر) والثاني الإفساد (تمزيق الروابط) والثالث زعزعة الأمن (الفوضى). فقر فتمزيق ففوضى, مكونات وأسس للدخول بالمجهول. نسأل الله أن يهلك كل من تسول له نفسه أذى بالوطن وأبناءه.
لذا نناشد د.أحمد هليل، ومفتي المملكة, ووزير الأوقاف، وكل القائمين على الشأن الديني والذين نأمل بهم خيرا، أن يتصدوا للذين فكروا وشرعوا مثل هذا القانون الغريب قبل أن يصدروا لنا فتاوى بالتحريم والأضرار الصحية والتبعات الإجتماعية. جميعنا يعلم أن ذلك تحليل للحرام دون أدنى شك, والذين قاموا على هذا القانون يعلموا أيضا علم اليقين رأي الأديان السماوية مضاف إليها الأديان الوضعية إلى جانب رأي الطب الواضح الإسلامي منه وغير الإسلامي. وهو رأي يقطع بالتحريم دينيا وجاء رأي الطب ليؤكد مغزى التحريم بإثبات أضراره التي تؤدي إلى التهلكة إذ يقول تعالى : " وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ "(195) سورة البقرة.
حتى الدول التي تبيح المشروبات الروحية تقاوم تعاطي المخدرات فكيف بدولة إسلامية ويحكمها الهاشميون تشرع قانونا يأتي بمعصية ويخالف قاعدة شرعية وسنة نبوية؟؟ إذ يروي أبو داوود عن سلمة زوجة الرسول أن النبي (ص) " نهى عن كل مسكر ومفتر " كتاب الأشرية 3686. فالمخدرات تندرج تحت مسمى " المفتر " الذي يحرمه الدين والسنة والإجماع لأنه يخرج العقل عن أداء دوره الطبيعي ويشل قدرة المتعاطي عن أن يمارس دوره الذي خلق من أجله وهو العبادة, إذ يقول تعالى :"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " (56) سورة الذاريات. بالإضافة لإنشاء أسرة ومجتمع صالحين للإنتاج والتطوير والإبداع وحماية النفس والمال والعرض والدين والوطن.
فعندما تعطل هذه القدرة التي تعمل على إيجاد وحماية هذه الفضائل والأهداف نكون كالبهائم تحركها الغرائز وتتحكم بها الأهواء والظروف, إذ من الطبيعي والعقلاني أن تقاوم الغرائز البهيمية خاصة القاتلة منها، والظروف بالغالب تخلق لتهيئة السبل المثلى للحياة.
بهذا القانون تكون هذه الحكومة قد ساهمت بالإفساد والإنحدار الأخلاقي نحو إنتاج جيل فاسد ونحن أصلا غارقون بالفساد وتتعثر حياتنا من كثرة الفاسدين وثقافتنا بخطر من جراء التقليد الأعمى غير المدروس لما يناسب الغرب ونلهث خلف الغرب بحجة اللحاق بالركب كي لا يفوتنا القطار.
أليس الأجدر بحكومتنا الرشيقة أن تقوم ببرنامج توعوي وحملة شرسة مضادة لتعاطي السموم بدل أن تقوم بتشريع قانون يسهّل تعاطيها؟؟ هل هذه الحكومة تعمل على إدخال الناس بمتاهات لإشغالهم بسفاسف الأمور لتعطي لنفسها المجال لتمرير ما هو مرفوض ومحارب؟؟ وما أكثر المرفوض والمحارب بزمن بات به المتصهينون والمتأمركون والمندسون والمتأردنون هم من يقرر مصير الوطن وأهله.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com