قبل اكثر من 20 عاما كان عمري أكثر من 18 عاما، فكم عمري الآن؟ أعني خلال جيشان المشاعر والزمان.. ما أجمل سالف الزمان. بعد طغيان الحديث عن خدمة العلم، أجد نفسي غارقا في ذكريات جميلات، تستقر في الذاكرة كما يستقر وشم على الجبين، فوشم الجبين سببه فروسية مبكرة، ووشم الذكريات سببه فرسان، شباب أردنيون، كانوا وما زالوا شعلة نقاء وعطاء..
من يعرف سهل مروان دودين، أو يعرف أخباره ؟!
أذكر هذا الشاب الأردني، المهندس في مجال ما، كان حديث التخرج آنذاك، وكان ضمن رفاقي الذين تجاوز عددهم 400 مكلف، ولجنا الحياة العسكرية، وأمضينا فترة التدريب العسكري في أحد ميادين المدارس العسكرية، وكان سهل فارسا من فرسان الميدان العسكري، تم اختياره من قبل المدربين العسكريين، ليكون قائد المراسم، وذلك نظرا لانضباطه ولمواصفاته الجسدية المتميزة، والأهم أنه كان مثالا للجندية الحقيقية، يقدم الحركات العسكرية بشكل مميز، ويمتاز بصوت صدّاح، يصلنا عبر مكبرات الصوت أو من دونها، بشكل واضح، باعث على الالتزام والاحترام..
بطِ آاااااااااااااااااان.سِرّ
حظي قائد المراسم بوجبات إضافية من التدريب والتعب، فجميع الرفاق في المعسكر كانوا يذهبون للراحة في ساعات ما من منتصف النهار التموزي ذي الحر اللافح، إلا قائد المراسم، كان يبذل مجهودات مضاعفة، يقدمها بكل احتراف و»هندسة»، ولم يكن يبد تذمرا أو تأففا من التعب، لم أشاهد الشاب غاضبا أبدا، إلا يوم قمت بإطلاق رصاصة بالخطأ، فأصابت «الحذاء» رقم 2، للرفيق والصديق خالد نصار، الذي كان يستلقي وقت القيلولة على سريره في الفصيل الرابع، أعني فصيل المكلفين من حملة الشهادات الجامعية، جلس معي سهل حينها وقال كلاما عن احترام البندقية، وعدم اللهو بها مع الرفاق..
معتدييييييييييييييييييل.سِرّ
بعد انقضاء فترة التدريب، تم توزيعنا على عدة معسكرات لتبدأ حياتنا العسكرية كمكلفين محترفين لا أغرار، وكم شعرت بالحنين الى الرفاق منذ تلك اللحظة، حتى اليوم، وكنت وما زلت وحين ألتقي بأحد رفاق السلاح، أجتر الذكريات جميعا، وتتقافز وجوههم وأسماؤهم في الذاكرة وعلى اللسان، سؤالا عنهم وعن زمن عسكري جميل، وما لبثنا أن أنهينا عامين من الخدمة العسكرية، كانت خير الأعوام .
خطواااااااااااااااااااااااهتنظيم
انهينا الخدمة العسكرية، وما هي الا شهور، وبدأ الحديث عن تخفيضها، ثم عن إلغائها او وقفها الى إشعار آخر، وهي نهاية «محزنة» لا شك، الخاسر الأكبر فيها هم الشباب الأردني، وهذا قدر الأردن، الذي تشكل المنح والقروض جزءا كبيرا من موازنته السنوية العامة، مما يجعله عرضة لتقديم ضمانات بسداد القروض، كأي دولة نامية تعيش نفس الظروف وتقترض من ذات الجهات المالية الدولية، والتي ما تلبث إلا وتخفف من موازناتها العسكرية وتحدّ من الانفاق عليها، لتتمكن من ترشيد نفقات، ضمن نظرية اقتصادية عالمية، تكون الدول المقترضة فيها عرضة لتغييرات في هيكلياتها العسكرية والتنموية.
جنب ااااااااااااااااان سلاحراحات
لم تختف أسباب توقيف العمل في خدمة العلم، بل ازدادت تعقيدا، حسب ما نرى من سوء ظروف اقتصادية، وارتفاع مديونية، لذلك يصبح موضوع إعادة خدمة العلم الى سابق عهدها غير ممكن، إلا إن كانت تطوعية وغير إجبارية، أو تم توجيهها تنمويا لمزيد من انتاج وتطوير، وبلا انفاق حكومي، وهو أمر أراه مستبعدا ايضا.
أين سهل في زمن صعب؟ أين قائد المراسم التي اتمنى لها أن تنطلق متفجرة بكل طاقات الشباب الأردني، الواعد بكل معاني الخير.
يقول قائد المراسم في نهاية حفل المراسم: هل تأذن بالانصراف سيدي، وبعد أن يأذن القائد العسكري، يتوجه قائد المراسم بآخر إيعازاته للطابور: تاااااهيأ، إلى اليمييييييييييين دُرّ، سريع الخطوة.. ويجيب الطابور: الله.. ثم نهرول مبتعدين.
ابراهيم عبدالمجيد القيسي