يبدو أن المشاكل التي تواجه " الربيع العربي " لم تقف في وجه الاستمرار في عقد المؤتمرات وهذه ظاهرة جيدة .. يعقد في عمان " المؤتمر الأول لإصلاح التعليم في العالم العربي”. والمعروف أن عقد المؤتمرات في العالم العربي من الجهات الحكومية وغير الحكومية ظاهرة نشطة منذ عقود . ولايمر يوم من غير مشاهدة " يافطة كبيرة” على أبواب الفنادق الفاخرة تعلن عن مؤتمر محلي أو عربي أو دولي . كلمة "الاصلاح " المرفوعة بوضوح في هذا المؤتمر هامة وضرورية بخاصة وثورات الربيع العربي تطالب بالاصلاح الذي يتوافق مع أهداف الحراكات المتعددة. لم أطلع على برنامج المؤتمر المتخصص وأوراقه التي يبدو أنها كثيرة ستناقش في أربعة أيام من الجهات الحكومية وغير الحكومية المعنية ولكنني أرى أن هناك الكثير ليقال في هذا المجال .
المجتمعات العربية تمر بمرحلة تغيير مستمر بفعل التغيرات العالمية التي تؤثر على الأفراد والشعوب أينما وجدت . ولعل ثورة وسائل الاعلام والاتصال والتكنولوجيا التي تسيّر العولمة ، بالاضافة لشبكات التواصل الاجتماعي وأدوات العلم والمعرفة من أهم الاسباب التي تساهم في التغيرات الايجابية والسلبية السريعة والمستمرة . مثل هذا المؤتمر هام جدا لأن التعليم ووسائله وأدواته ونظمه تغيرت في زمن سريع الحركة . ولكن مع الأسف لم تتغير في كثير من الحالات أنماط التفكير والسلوكيات والقيم والمفاهيم العربية للكثيرين . ويلاحظ بشكل واضح إقبال الشباب أو النشء على الأخذ بالقشور أكثر من النتائج التي تسببها في التغيير الايجابي لتكون نقمة في بعض الاحيان لمن لايوظفها في المكان المناسب .
ما زال التعليم في البلدان العربية يعمل وفق الاساليب التقليدية التي تنمّط الشخصية للطالب في مراحل الدراسة الأولى في المدارس وحتى في الجامعات ليحشر في مناهج لا تساعد على البحث العلمي أو الابداع أو القراءة الحرة التي تساهم في اغناء المعرفة المقدمة في المناهج الدراسية بالاضافة الى التنشئة الاجتماعية والروح الوطنية . ولا تسمح المناهج وأساليب التعليم والتقييم بالحوار الحر والتعلم والاستكشاف النشط خوفا من مخالفة النمط الموضوع . ولعل التخلف الذي يعيشه العالم العربي في المعرفة والتطلع للحرية والديمقراطية هو نتاج تلك المناهج . فغيابها يعتبر العامل الاول لثورات الربيع المتتالية .
المطلوب من مثل هذه المؤتمرات التي تعقد ورائحة الربيع العربي تنشر شذاها أن تدرس موضوع الاصلاح التعليمي دراسة مستفيضة تشدد فيها على أهداف أساسية تكون لبنة للتغيير أو تعزيز الجيد من الموجود ومنها . فالاهتمام ببعض الموضوعات المتعلقة بالتعليم والتربية والمعرفة والثقافة ينبغي أن تكون أولوية ومنها : مراجعة المناهج والبرامج والكتب المدرسية لوضع مناهج تساهم على التفكير أكثر من التلقين .تنمية روح نقدية لتطوير تكوين الذات وتقبل الحوار . الايمان بحقوق الانسان والدفاع عنها . التعود على التعاون وتحمل المسؤولية . الاعتزاز بالهوية الوطنية ووضع مناهج تشجع على على ذلك مع الانفتاح على العالم واحترام الثقافات والاديان الاخرى دون تعصب . تعلم المهارات واللغات الاجنبية لتحقيق التقدم بالاضافة للاهتمام باتقان اللغة العربية التي يلاحظ أ ن مستواها انخفض ولا يتقن الكثيرون لغتهم قراءة وكتابة وتعبيرا وكما نقرأعلى المواقع القليلة المكتوبة باللغة العربية .
عنوان” مؤتمر أصلاح التعليم في العالم العربي " هام وضروري, نرجو أن تكون التوصيات التي سيسفر المؤتر عنها قابلة للتطبيق وتؤخذ من المسؤولين والمعنيين بجدية وليس فقط توصيات توضع في وثائق المؤتمر التي كثيرا ما تخزّن على الرفوف ليأكلها الغبار وتصبح ذاكرة لمن وضعوها وليس اصلاحا لمستقبل للناشئة .