احتل تكليف د. عبد الله النسور مساحة أحاديث الجالية الأردنية في العاصمة القطرية الدوحة , إثر انشغال الحضور بدلالات تكليف الرجل بالمهمة الأصعب بعد تجاذبات نيابية غير مسبوقة , أثبت النواب خلالها عدم مقدرتهم على رسم مخطط ولو "كروكي” بسيط لشكل الحكومة البرلمانية أو ملامح الحكومة الائتلافية .
سيستهل كثيرون إلقاء اللائمة على قانون الانتخاب وعلى 61 قائمة منعت بروز كتلة ابتدائية او نواة كتلة صلبة وهذا صحيح نسبيا , لكن الأصعب أن نقرأ المشهد الحواري بعين العقل السياسي البارد وأن نعلن بالفم الملآن أننا شعب ونخب تحكمنا الفردية وغياب العقل الجماعي المؤمن بالتوافقات السياسية وليس جذب الآخر الى معسكرنا فنحن من انصار لازمة اليمين الامريكي المحافظ – معي أو ضدي – رغم نقدنا اللاذع لها .
دلالات الاسم مهمة لكن ليس أكثر أهمية من المضمون , فالأساس أن يكون " السيستم " سليما , لأن السيستم قادر فعلا على طي عناد اي فرد وإخضاعه لمنطق السيستم ومساره , والمرحلة او اللحظة الوطنية تتطلب ان يكون السيستم هو الأساس وليس الافراد , فثمة سنوات طويلة من عمر الدولة مضت وسط تجاذبات فردية بين النخب المحلية وطبيعة علاقة كل نخبة مع السيستم الممسوك بصمغ الدولة ولم نسع لحظة لإنتاج حالة تماسك تكون قادرة على هضم تباينات النخبة وتلويناتها المختلفة .
لعبت الدولة دور الصمغ الماسك للموزييك طوال سنوات سابقة , وأثقل ذلك كاهل الدولة كثيرا , فمن الصعوبة بمكان بكل هذه الخيوط في عالم متحرك وفي إقليم يشبه الليغو أو فأر التجارب لكل منتجات مراكز الدراسات الغربية وقوى التغيير الكوني التي تسعى لإعادة انتاج المشهد الاقليمي كل عقدين على الأكثر , ودخلت الدولة في مساحات ضيقة نتيجة نظرية التماسك. .
جاء زمان الدولة القابلة لهضم كل مكوناتها دون ان تُصاب بتخمة سياسية أو أن تقع تحت طائلة سوء الهضم , ولم يعد مقبولا أو مسموحا ان يتفوق فرد او حزب او نخبة على الدولة او السعي الى توظيف الدولة لخدمتها , فالرئيس للسلطة التنفيذية جزء من السيستم وليس حالة إنزال عليه كما جرى في عقد سابق وقرارات اية حكومة يتم اختبارها في مختبر الدولة وتظهير النتائج وفقا لمصالح المواطن وصالح الوطن .
هذا يتطلب قبولا بالواقع والسعي الى تطويره وليس تطويعه لمصلحة هنا او شعبوية هناك , فلا يمتلك رئيس -مهما بلغ من ذكاء- ان يكون خارج سياق الواقع الموضوعي في الأردن ودون ان يتحمل وزر عقد سابق وربما عقود سابقة , فالفساد حالة تراكمية تمت رعايتها من اطراف داخلية ودولية وعانت منها كل اقطار الإقليم بخاصة دول الطوق , وزواج المتعة بين رجال الأعمال والمناصب الرسمية كاد ان يتحول الى علاقة زواج شرعية لولا الربيع العربي وكان القاضي الشرعي او المأذون مؤسسة الفساد التي أطاح الربيع العربي بسطوتها رغم عدم قدرته حتى اللحظة على الإطاحة برموزها او رؤوسها , وبداية حل المشكلة الاعتراف بها ثم السعي الى انتاج الحلول الملائمة واستنهاض الهمم الوطنية وليس الإذعان لمنطق السابق .
الشعار الذي طرحه د. عبد الله النسور لحكومته هو المطلوب بالضبط للمرحلة القادمة " طهارة ونزاهة " وليس النظافة , لأن الطهارة تعني النظافة والعكس ليس صحيحا , والطهارة تعني الواضح والمخفي والسر والعلن وكل ما يوصل الى الهدف من دروب، والمهم ان يتم تفعيل هذا المنهج وتعميقه وترسيخه وأن نضع مفهوما واضحا للطهارة الوطنية وربط النزاهة بالكفاءة , ومحاسبة الرئيس على هذا الشعار وهذا الهدف لأي رئيس وليس النسور فقط. .
بقلم: عمر كلاب