الحكم الذي أصدرته محكمة استئناف عمان ببطلان الانتخاب بالدائرة السادسة في محافظة الكرك بالطعن الذي قدم إليها بفوز النائب عن تلك الدائرة قد أثار العديد من الاجتهادات القانونية المختلفة بخصوص الجهة المختصة بتنفيذه والآثار التي ستترتب على تنفيذه وهل سينحصر تطبيقه على بطلان فوز النائب الحالي عن تلك الدائرة أم تمتد آثاره على النائب الذي فاز بالمقعد النسائي عن محافظة الكرك وعلى الفائزين بمقاعد الدائرة الانتخابية العامة؟.
ولغايات إبداء الرأي في هذا الخصوص لا بدَّ من التأكيد على أن حكم محكمة الاستئناف جاء استناداً للمادة (71/5) من الدستور وصدر بشكل موافق للدستور.
وبالرجوع للحكم أعلاه, يتبين أن المحكمة وفي غياب وجود تشريع يحدد الأصول والإجراءات الواجب عليها تطبيقها على الطعون الانتخابية وذلك سواء من تاريخ قيد الطعن والشروط الواجب توافرها به وحتى صدور حكم فيها, وأمام ذلك لم تجد المحكمة خياراً أمامها ومن وجهة نظري سوى التقيد بالمدة الزمنية التي ألزمها الدستور بها بإصدار حكم بالطعن خلال مدة (30) يوماً من تاريخ تقديمه إليها, مما جعلها تتعامل مع الطعن بالكيفية الذي ورد به وإنزال حكم الدستور والقانون على ضوء البينات التي قدمت إليها واقتنعت بها, ولكن عدم وجود أصول وإجراءات للمحاكمة حرم الأشخاص الذين قد يتأثرون بالحكم الصادر بالطعن من حضورهم بالمحاكمة ولم تتم مخاصمتهم بذلك الطعن, ليتمكنوا من تقديم دفاعهم ودفوعهم بالطعن.
إن القواعد العامة في الإجراءات المدنية والجنائية والادارية والدستورية تقتضي أن لا تتأثر المراكز القانونية للأشخاص من اي حكم قضائي ما لم يكن الشخص طرفاً في القضية سواء تم مخاصمته مباشرة بها أو تدخل فيها وفق أحكام قانون الإجراءات الواجب التطبيق وفي ظل القصور التشريعي لمعالجة الآثار التي ستترتب على تنفيذ حكم المحكمة, فإنني أرى أن الحكم لا يتسع لتنعكس آثاره سلبياً على النائب الذي فاز بالمقعد النسائي ولا على النواب الذين فازو بمقاعد الدائرة الانتخابية العامة لأنه إذا ما انعكس ذلك, فإنه سيترتب عليه إشكالات قانونية سواء من حيث تنفيذه, إذا اجتهد وارتأى البعض أن آثاره تمتد لتصل للنائب الذي فاز بالمقعد النسائي وللنواب الذين فازوا بمقاعد الدائرة الانتخابية العامة وهذا يشكل إخلالاً بقواعد العدالة والإنصاف والتي تقتضي عدم جواز تأثر أي شخص من حكم قضائي بشكل مباشر او غير مباشر ما لم يكن ممثلاً بالدعوى التي صدر حكم فيها, بل أن ذلك لن يتوقف عند هذا الحد بل أن الصعوبة تثور في كيفية تحديد وشمول حكم الإبطال من حيث الإجراءات التي سبقت عملية الانتخاب أم ينحصر أثره على الإجراءات التي بدأت مع بداية يوم الانتخاب وحتى إعلان النتائج, كما كيف سيتم التعامل مع المرشحين للدائرة الانتخابية العامة, هل سيتم احتساب الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة من صناديق الاقتراع بتلك الدائرة وتنزيلها من مجموع الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة وإعادة احتساب عدد الأصوات لكل قائمة أم ستجري انتخابات جديدة بين القوائم التي ترشحت للانتخابات عن الدائرة المذكورة؟.
إن ما ذكرته آنفاً هو من قبيل التساؤلات المشروعة والتي تحتاج إلى إجابات واضحة وصريحة لا لبس أو غموض بها, وبتقديري ان الجهة المختصة بتنفيذ القرار وتفعيل آثاره هي الهيئة المستقلة للانتخابات ويتعين عليها عند تنفيذه تفسير الحكم تفسيراً ضيقاً على ضوء طلبات مقدم الطعن ما دام أن النصوص التشريعية قد أجدبت وجاءت قاصرة من وضع حلول عادلة ومقنعة لما أوردته أعلاه, وأن تراعي عند تنفيذه روح الدستور والقانون وقواعد العدالة والإنصاف والمصلحة الوطنية العليا بحيث لا يتأثر الحكم المذكور إلا الشخص الذي تم مخاصمته ومواجهته وقام بتقديم دفوعه ودفاعه بالطعن الذي صدر الحكم به وأن الهيئة في وضع لا تحسد عليه أمام القصور التشريعي الذي غاب عن المشرعين بالتعديلات الدستورية وقانون انتخاب النواب وأضيف في هذه المناسبة أن للقضاء دورا مهما في توجيه المشرع لتصويب الاختلالات التشريعية, سواء التي نتجت عن التعديلات الدستورية أو قانون الانتخاب أو غيرها من التشريعات, بحيث يتوجب أن تكون تلك التشريعات كاملة ومتكاملة وتتسع للتعامل مع جميع المستجدات لا أن تبقى قاصرة وعاجزة كما هو الحال في هذه الحالة مدار البحث والذي فتح باب الاجتهاد على مصراعيه حول كيفية تنفيذ الحكم.