استعداداً لصيفٍ عامرٍ بالمناسبات وحفلات الخطوبة تَشتد حماسة النسوة في البحث عن عروسٍ لأحد العازبين في العائلة، ويبدأ الاعلان عن حاجة دار أبي فلان لعروسٍ تكون زوجة لابنهم المصون، «بنت حلال وبتخاف الله وملتزمة وعمرها ان طارت 23».
قَد تبدو المهمة في ظاهرها سهلة، أو ربما أني كنت اعتقد هذا، قَبل أن أخرج عن مثل جدتي القَائل «مشي بجنازة ولا تمشي بجوازة» وأدل الحائرات من معارفي على فتيات من ذوات الخلق والدين والأدب والجمال، فضلاً عن حسن المنبت والتربية.
وتتصل بي «أم فلان»، وبعد التحية والسؤال عن الأحوال تَشرع في مدح العروس وأهلها حتى يغلب على ظني أنها قَد اتصلت من أجل دعوتي لحضور حفل الخطوبة، واستيقَظ من أفراحي على قولها: «بس لو أنو البنت أطول بثنين أو ثلاث سانتي عشان ابني حكا بدو اياها أطول مني بشوية»!
هذا ولم تتأهل الفتاة في اختبار «النقد» في هذه الجولة!
أما الأخت الأخرى فقد عابت على العروس التي لم تر في أدبها أن والدتها لم تنجب سوى خمس إناث، لذلك فهي تخشى أن تكون البنت مثل أمها «وما يفرح ابنها بالصبي!
مصطلحات الباحثات عن عرائس يصعُب فهمها وايجادها، فوصف بيضاء لا يعني بياض الورقة التي أكتب عليها الآن، بل هو درجة لا يمكن تحديدها الا من قبل عين أُم العريس المسكين، ولا أدري كيف تتمكن من معرفة الطول بدقة متناهية دون الحاجة لمتر أو أداة قياس، ولم استطع اكتشاف المعايير التي يتنبؤون من خلالها بزيادة الوزن التي قد تتعرض اليها المسكينة مستقبلاً.
التدقيق على التفاصيل الجمالية المملة يُفتقد في النواحي الأخرى حال توافر الجمال، فعندما ترى «أم العريس» الفتاة التي تتناسب مع معاييرها الجمالية الخاصة، بأن تكون العروس «احلى» من «كناين» ام موسى، وأطول من كنة «ام باسم» الجديدة، « تبدأ بالتعاضي عن مدى الالتزام ومخافة الله، «وبتصير بدها توخدها ع المسجد معها عشان تحضر الدروس وتلتزم» و»ابني بدو يهديها جلباب من عند الكرم وهي نفسها تلبس جلباب من زمان والله هداها ع ايدنا» و»نص حفلة العرس أغاني عشان مو من أولها ننفرها من الالتزام» و..
والله يجبر عليها «ام حسام»، زوجت ابنها كنة مثل القمر قبل ثلاث سنين، وقبل أيام شكت لي والدمعة في عينيها، بأنه ليس من حقها أن تنهى حفيديها عن شيء حيث ان كنتها «شق القمر» تصرخ في وجهها قائلة: «ما تتدخلي بأولادي! وختمت قولها: دايما بسمع مسبتي بذاني»!
البياض والطول والعيون الملونة وكسم المسطرة ليس له الاولوية على الدين والاخلاق والسمعة الطيبة، قليلا من التنازل عن المواصفات الملائكية وكثيراً من التمسك بطيب المنبع والخُلُق لتنعموا باستقرار يملأ بيوتكم!