منذ أن تحركت الجماهير العربية نحو تحقيق ثالوثها المقدس في الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية والتوقعات السياسية لا تتوقف عن ما سيلي ذلك الحراك، أكثر من عامين مرا على «شرارة البوعزيزي» التونسية ولا زال الحراك قائما، تختلف المشاهد من بلد لآخر لكنه لم يصل بعد الى اي من ملامح يمكن الاعتداد بها، وسقطت كل التوقعات المسبقة التي رأت أن العقد القادم سيكون «عقدا للاسلام السياسي» المتحالف مع أمريكا أو المتعاون معها في قضايا تم التوافق عليها، وساعدهم الاستنتاج المبكر حركة «الصناديق» السريعة التي أنتجت «غالبية برلمانية» و»رئاسية» في بلد وآخر، ولكن المجهول دوما لهؤلاء هو ما يلي حراك الشعب الذي لا زال يكشف يوما بعد آخر كم أصيبت الحركة السياسية المنظمة وكثير من «الكتبة» والمدعين بأنهم «مثقفين»، بقوة التغيير الرئيسي فيما بعد «الشرارة التونسية» بأن صندوق الانتخاب ليس وحده في شارع التغيير العربي..
نتائج الحراك ليست متوافقة موضوعيا مع «حركة الأقدام» الشعبية التي لا تزال تتبلور ولكنها لم تتنازل عن «ثالثوها المقدس»، وتمكنت تلك الحركة أن تكشف كثيرا من حقائق السياسة العربية، بل وحاصرت مبكرا وقبل الانزلاق نحو منحدر «الخديعة الكبرى» تيار الاسلام السياسي بأنه ليس «البديل المنتظر» بل وليس هو الحل ابدا، كونه تيار لا يملك رؤية ولا برنامجا للخلاص السياسي والاقتصادي والديمقراطية السياسية التي باتت شرطا ضروريا للتقدم الاجتماعي، وقد ترك ذلك «الفشل المبكر» لهذا التيار آثارا جانبية على دول اعتقد البعض انها مرشحة لفرض «حلول سياسية» بقوة «الاسلام السياسي»، وكانت الأردن أحد تلك البلدان المرشحة لحراك يفرض ذاته على النظام لاجراء تغيير جوهري على بنية الحكم والدستور لانتاج «ملكية دستورية» يلعب بها الاخوان المسلمين الدور الناظم لعلاقات السلطة والحكم..
ولكن الأحوال السياسية التي اصابت انحراف دفة الحراك العربي نحو «مرسى» الاسلام السياسي، وعجزه المبكر عن تقديم ما يمكن أن يكون عنوانا للخلاص، أو التقدم الاقتصادي – الاجتماعي كما فعل «الشقيق التركي»، نتيجة ساهمت في خلط الأدوار وانتاج متغيرات لم تتوافق مع الاستنتاجات المبكرة للمبشرين بـ»عقد الاسلامويين»، والأردن الآن مثالا، ومن يراقب التطورات السياسية الأخيرة سيشهد أن هناك جديدا جوهريا في عالم «الدور السياسي»، بل ان المرتقب هو إحداث «انقلاب جوهري» في الأدوار الاقليمية لدول عربية، ومنها مصر والأردن..
منذ وصول الإخوان المسلمين لرئاسة مصر والولايات المتحدة تحدد ما تريده من مصر عبر «بوابة امنية» للعلاقة مع اسرائيل سواء من خلال احترام اتفاقية كامب ديفيد أو حماية الحدود من سيناء وغزة، ومنع تهريب الأسلحة بكل السبل الى قطاع غزة، والضغط على حماس كي تلتزم الا تخرق اتفاق «الأعمال العدائية» الموقع بينهما، دور تريده واشنطن أن ينحصر في «البوابة الأمنية» لا أكثر، ولا يوجد به أي بعد آخر في القضية الفلسطينية حتى المصالحة الوطنية لن ترى النور ما دامت مصر هي راعيتها وستكشف الأيام المقبلة كم أن المصالحة بعيدة عن اي امكانية للتنفيذ في ظل المتغير الراهن، فيما نجحت واشنطن من إبطال مفعول «مبادرة مرسي الرباعية» نحو سوريا، مبكرا عبر أكثر من بوابة اغلقت في وجهها بدأت بالرياض فالدوحة فتوريط مرسي بخطابه في طهران..وقبل كل ذلك الأزمات الداخلية المتلاحقة التي لن تجعله يستقر بفعل فاعل وجهل مفعول لتغييب الدور المصري من اي بعد اقليمي..
ومقابل ذلك نجد أن هناك صعودا لدور أردني بملامح اقليمية، لقد جاءت زيارة الملك عبدالله الى رام الله بعد الاعتراف بدولة فلسطين خطوة سياسية بامتياز أرست حالة من الطمأنة المبكرة للشعب الفلسطيني بأن الأردن لن يعود لخيار «الالحاق أو الاذابة» للقضية الفلسطينية، بل حاضنا وعمقا لها، مقابل ما اكدته القيادة الفلسطينية بأن فلسطين هي «الوطن البديل لفلسطين»، معادلة كان كلا الطرفين بحاجة لها، فتحت تلك المعادلة الجديدة أفقا نحو تحرك الملك الأردني لجس نبض لازالة «الحواجز» من طريق العملية التفاوضية، وبدأ بالتحرك لتحقيق ذلك، ويبدو انه بدأ يحصد بعضا مما اراد، بعد اعلان الرئيس الأمريكي اوباما زيارة الدول الثلاث، فلسطين واسرائيل والاردن، مع تسريب معلومات عن «قمة رباعية» تعقد في العاصمة الأردنية عمان، وليس مصادفة أن يتجاهل الرئيس اوباما زيارة مصر بل ولم يستقبل رئيسها بعد، رغم الاعلان عن موعد للزيارة أكثر من مرة وتأجلت دون معرفة موعدها، وقد يكون ذلك تغييرا جوهريا في الدور الاقليمي للأردن في قضية الصراع والحل السياسي العربي الاسرائيلي..
والاردن مع الملك يعمل منذ فترة على «ترطيب» العلاقة مع حركة «حماس» دون أن تمس العلاقة مع «القيادة الشرعية» والممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، لكنها علاقة محسوبة ضمن الدور الأردني المنتظر في القضية الفلسطينية بكل ابعادها ومكوناتها، وقد يصبح لها قريبا دور مؤثر في جوانب تفوق ما لها اليوم..
ويتجه تعزيز ذلك «الدور الإقليمي المنتظر» للأردن، في المسألة السورية التي اصبحت اقرب ما يكون لفرض «حل سياسي» كبديل للحل العسكري – الأمني الذي حاول طرفا الأزمة السير به طريقا، وصل الى نهايته، وفشل الخيار العسكري ليس «فشلا مهنيا» بل هو فشل لاتجاه وقوى ودول ساندته، وخاصة قطر والسعودية وتركيا، التي بات دورها غير مقبول في أي حل سياسي مقبل، كما هي ايران ايضا، باعتبارها أطرافا متورطة عسكريا، وهو ما تتميز به الأردن عن غيرها ولم تتورط باي من تلك «النشاطات»، لذلك قد تكون عمان بوابة «الحل السياسي» للأزمة السورية، وخاصة بعد مبادرة الخطيب والتجاوب الواسع معها اقليميا وسوريا ودوليا، ورفض الاخوان وحلفائهم الاقليميين لها.. الدور الأردني في «المسألة السورية» يتزايد بل وقد يشهد تعاظما أكبر بعد زيارة الملك عبدالله لموسكو ولقائه الرئيس بوتين..
ملامح لم تعد خافية أن الأدوار الإقليمية العربية لن تبقى كما كانت، وهناك متغيرات تفوق ما كان معتقدا، الرابح الرئيسي منه الأردن دولة وحكما، فيما الخاسر الأكبر مصر دولة واخوانا.. تلك المسألة تؤشر الى أن «العقد القادم» لن يكون حتما «إسلامويا» ولن يكون «أمريكيا» ايضا!
ملاحظة: ليفني أصبحت رئيسة طاقم المفاوضات الاسرائيلي، الجانب الفلسطيني لم يحدد بعد، لكن يمكن الاستفادة من الخبرة التاريخية للقيادي الحمساوي صالح العاروري.. أليس هو «بطل» النصر التفاوضي التاريخي الأخير!
تنويه خاص: كيري وزير خارجية أمريكا سيبدأ زيارة المنطقة من «بوابة أنقرة»..مشعل ايضا كان هناك.. هل من «رسالة» !يمكن قراءتها أم هي صدفة.. كتير مصادفات حماس هالأيام
بقلم: حسن عصفور