في بدايات النهضة العربية قيل « لا تصلح الامة الا باثنتين : الجامعات ومجالس النواب « ، وهو من الصواب بحيث لا يزال محل إجماع كل من بحث في عوامل نهضة الشعوب العربية وتقدمها , من الجامعة يفترض ان يخرج الفكر الذي يتبناه رجال السياسة ليصبح قوانين يصدرها مجلس النواب تنظم مسيرة المجتمع في كل شأن من شؤونه .
الاردن سار على هذا الطريق لعقود طويلة ( باعتماده على التعليم ) فكانت هذه النهضة الشاملة التي تمت في فترة قصيرة من الزمن , غير انه تم تهميش الفكر منذ ان تحولت الجامعات الى ساحة لتطبيق العدالة الاجتماعية بدون مقاييس وضوابط .
اما مجلس النواب فقد انزلق بعيدا عن دوره الأساس تحت مفاهيم غير صحيحة لوظيفة النائب بالزعم انه ( نائب خدمات ) , بحيث اصبحت آليات اقرار القوانين في خدمة تمرير ( الخدمات) للنواب .
وظيفة النائب هي اهم الوظائف الدستورية لان نظام الحكم في البلاد « نيابي ملكي وراثي» في نص المادة الاولى من الدستور , وليس صحيحا ان النظام الانتخابي ( الصوت الواحد والدوائر الصغيرة ) يفرض تغييرا على وظيفة النائب ليتحول من نائب تشريع ومحاسبة ومراقبة الى نائب خدمات ، اي الى دور المراجع على أعتاب مكاتب الوزراء والحكومة للبحث عن وظائف او تسديد فواتير للناخبين .
يفترض ان يكون النائب (نائب وطن )سواء انتخب عن طريق القائمة او الدائرة المحلية ، وان تتلخص مهمته بالتشريع والرقابة على اعمال الحكومة ومحاسبتها اذا قصرت او أخطأت.
والحقيقة انه عندما يتحول الى نائب خدمات فانه يكون قد خالف الدستور لان الواسطة تصبح جوهر عمله ، وما يقوم به من سطو على الوظائف بدون منافسة او وجه حق يعتبر تعديا على مبدأ المساواة بين الاردنيين وخرق لمبادئ وروح الدستور .
عندما يتهاون النائب في التشريع والمحاسبة مقابل ان تمرر له الحكومة مطالبه بوظائف لا حاجة للبلد بها ، فانه عمليا يمارس الفساد الذي يؤثر على أحوال البلاد والعباد ويعطل النزاهة والمساواة والعدالة .
ويكفي الوطن ما عانى ويعاني من هذه الظاهرة التي نشرت ( الرجل غير المناسب ) في الوظائف العامة ، وأثقلت الموازنة العامة برواتب البطالة المقنعة في القطاع العام والبلديات حيث تركت ميادين الانتاج والعمل الزراعي والصناعي والتجاري للعمال الوافدين من كل حدب وصوب .
يستطيع مجلس النواب المقبل ان يتصدى لمشكلة ( نائب الخدمات ) اذا ما ضغط على الحكومة لتبني مشروع اللامركزية الادارية في الاردن ووضع التشريعات اللازمة لها .
وبين يديه مشاريع سابقة اهمها الورقة التي طرحها في العام الماضي رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عبدالسلام المجالي و تقترح اقامة مجالس للمحافظات يتكون أعضاؤها من نواب ينتخبوا من كل لواء وحسب عدد سكانه .
مثل هذه المجالس النيابية اللامركزية تقوم بمهمات التنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل وغير ذلك ، بحيث يترك لمجلس النواب المركزي مهماته التي نص عليها الدستور .
وأعود الى مقدمة هذا المقال للتأكيد على صحة مقولة ان الاصلاح ( السياسي والتعليمي والاقتصادي والمجتمعي ) ينطلق من ركنين أساسيين في الدولة هما : الجامعات ومجلس النواب . وبدون اصلاحهما لا تكون نهضة .