قبل أربعة أعوام تقريبا جاءني عدد من طلاب إحدى الجامعات الحكومية شاكين باكين، قالوا لي إن مسؤولا في الجامعة ومحافظ المنطقة التي تقع فيها، هددوهم و70 طالبا آخرين بتحويلهم إلى محكمة أمن الدولة، بتهمة إهانة الملك وشتمه إذا لم يتوقفوا عن نشاطاتهم وانتقاداتهم للجامعة؛ بأنها تدار من قبل الأجهزة الأمنية.
ضحكت قليلا، ثم طمأنتهم وقلت لهم، لا تخافوا، إنه تهديد وحسب، فكيف لبلد يجمع مسؤولوه على أن الملك يحظى بحب وتأييد كل الأردنيين بنسبة مئة في المئة، أن يقدم سبعون طالبا للمحكامة بتهمة إهانة الملك وشتمه، قلت لهم حتى لو كانت عقول أولئك المسؤولين صغيرة، فإن الأجهزة الأمنية ستتدارك الأمر ولن تمرر هذه التهمة، فكيف سيتناول الاعلام الخارجي إقدام العشرات من المواطنين الاردنيين على شتم الملك وإهانته، وإذا كان هذا العدد الكبير قد جهر بشتم الملك علانية، فكم عدد الذين يشتمونه بالسر؟، هكذا سيتساءل الإعلام الخارجي الذي سيتناول القضية. إنها أسوأ خدمة يمكن أن يقدمها مسؤول للملك.
لا أدري إن كان تحليلي طمأنهم أم لا، لكنني أعلم أن أحدا منهم لم يقدم لمحكمة أمن الدولة لا بتهمة شتم الملك ولا بغيرها، رغم أنهم لم يتوقفوا عن نشاطاتهم أو انتقادهم للجامعة.
اليوم يقبع في السجون حوالي 158 موقوفا على حساب مدعي عام محكمة أمن الدولة، جلهم وجهت له تهمة المس بكرامة الملك، وتقويض نظام الحكم.
الموقوفون اعتقلوا على خلفية الاحتجاجات الشعبية الواسعة ضد قرار الحكومة برفع أسعار المشتقات النفطية، وهي احتجاجات شابها بعض العنف وهتافات عالية السقف غير مسبوقة.
السؤال الذي يقفز إلى الذهن، إذا ما ثبتت التهم الموجهة لهم هو: ماذا يعني تجرؤ أكثر من 150 شخصا على المس بكرامة الملك، ورفض نظام الحكم القائم؟، ليس هذا فحسب، بل يحدث كل ذلك بشكل علني وسلمي وأمام الجماهير، وهم يعرفون أن مسيراتهم سيشاهدها الملايين من خلال الشبكة العنكبويتة ومواقع التواصل الاجتماعي. إذا كان هؤلاء يجهرون بآرائهم هذه إن ثبتت التهم، فكم سيكون عدد من يتبنون نفس الآراء دون الجهر بها؟!.
ثبوث التهمة يعني أن خدشا حدث في جدار شرعية الملك الذي لم يكن أحد يناقشها من قبل، ليس خوفا وإنما من باب الرضا والقبول.
من المهم أيضا أن نؤشر إلى أن ثبوت هذه التهمة، سيؤثر على صورة النظام خارجيا، إذ من غير المناسب أن يضطر مسؤول أن يتحدث في مقابلة صحفية عن أغلبية كبيرة أو ساحقة (فقط) تؤيد الملك.
أسوق هذه الافتراضات لأنني متأكد من براءة هؤلاء الشباب من تهم تقويض نظام الحكم والمس بكرامة الملك، حتى لو سمعت بعض الهتافات تدعو الى ذلك، إذ إن التهم بحاجة إلى القصد والإصرار وهو ما أعتقد أنه ليس متوافرا.