أخبار البلد -
لو استمر الجدل بين الإخوان المسلمين (المصريين) وبين مناوئيهم ،حول صحة أو عدم صحة القرار الذي أصدره الرئيس المصري محمد مرسي وسحب بموجبه القرار 350 لسنة3012 باعتبار مجلس الشعب منحلاً اعتباراً من يوم الجمعة الموافق 15 حزيران الماضي والسماح لهذا المجلس بعقد جلساته، ليس شهراً واحداً وإنما ثلاثين شهراً وأكثر فإن هؤلاء لن يقنعوا أولئك وأن أولئك لن يقنعوا هؤلاء فالمواقف محسومة سلفاً وقد اتضح من خلال هذه الخطوة وغيرها أن «الجماعة» التي بقيت تنتظر هذه اللحظة التاريخية لنحو ثمانين عاماً لا يمكن ان تفرط بـ»أمرٍ» وصل اليها حتى وإن كان لابد من اللجوء الى العنف والقوة.
إن هذه الخطوة التي أقدم عليها الرئيس محمد مرسي أمس الأول ،والتي لاشك في أنها جاءت كقرار مدروس لمجلس شورى الأخوان المسلمين هناك في مصر وبأمر من المرشد الاعلى، الذي بات يلعب دور الولي الفقيه علي خامنئي في إيران، قد جاءت كإنقلاب مبكر جداً على المحكمة الدستورية العليا ،التي لا يجوز نقض قراراتها، وعلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي هو الصاحب الحقيقي لهذه الثورة التي أطاحت حكم حسني مبارك وأنهت نظامه وأيضاً على كل الاحزاب والقوى المصرية الليبرالية والعلمانية التي تتمسك بالتداول على السلطة والتي ترفض استعادة تجربة حكم الحزب الأوحد والزعيم الملهم وتخشى من ان تنتهي الأوضاع في مصر الى تجربة كالتجربة الايرانية.
كان هناك اعتراض على قانون الانتخابات الذي سمح للأحزاب بترشيح أفراد من قبلها في قائمة الانتخابات الفردية نظرت فيه المحكمة الدستورية العليا ،التي لا تُنقض قراراتها ولا يجوز الاعتراض عليها، وأصدرت قراراً قاطعاً مانعاً بأن قانون الانتخابات التي اجريت وفقاً له هذه الانتخابات الأخيرة غير دستوري وأن ما قام على الباطل باطل وان مجلس الشعب الذي أسفرت عنه الانتخابات الأخيرة ليس يجب حله وإنما لم يعد موجوداً والمعروف أن قسـم الرئيس الجديد قد كان أمام هذه المحكمة الدستورية العليا.
ولذلك وبغض النظر عن الجدل المحتدم الآن في مصر بين مؤيد للخطوة التي أقدم عليها مرسي وبين قائل ،ككلٍ من عمرو موسى وحمدين صباحي ومحمد البرادعي وعمرو حمزاوي وغيرهم، إنها تشكل تعدياً على أحكام القضاء وتحدياً لحكم المحكمة الدستورية العليا والتفافاً عليها، فإن ما بات مؤكداً هو ان الإخوان المسلمين الذين كانوا «يتمسكنون» قبل فترة وكانوا أكثر القوى والأحزاب المصرية حديثاً عن سيادة القانون والديموقراطية والتداول على السلطة هم حزب شموليٌّ مثله مثل كل الأحزاب الشمولية الأخرى وأن الانتخابات بالنسبة اليه وبخاصة بعد أن أصبح وضعه هو هذا الوضع هي مجرد تذكرة لسفرة واحدة وفي اتجاه واحد.
لماذا كل هذا الاستعجال ولماذا التَّجرؤ على المحكمة الدستورية العليا بهذه الطريقة الفجة.. ولماذا ثلْم هيبة القضاء على هذا النحو ولماذا إدخال مصر في هذا المأزق بينما هي لا تزال تعاني من اوجاع كثيرة... ألم يكن من الأسلم والأفضل أن تُتْرك الأمور تسير سيراً طبيعياً الى حين إعداد الدستور الجديد وإجراء انتخابات جديدة على أساسه.. أليس أن في العجلة الندامة..؟!
إن من حق الرئيس محمد مرسي أن يكون رئيساً حقيقياً وأن يتخلص من قيود «الاعلان الدستوري المكمِّل» ولكن ليس باللجوء الى هذا الانقلاب المباغت على القانون وعلى المحكمة الدستورية العليا ،التي لا يجوز لا نقض قراراتها ولا الاعتراض عليها، وعلى القضاء وأيضاً على المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي أثبت حسن نواياه من خلال حرصه على سلاسة وسلمية عملية انتقال السلطة والذي أشاد رئيس الجمهورية الجديد وأكثر من مرة به وبإنجازاته الوطنية.
لقد كان على الدكتور محمد مرسي ما دام انه أصبح رئيساً لمصر وما دام أن مصر تمر في هذه المرحلة التاريخية والخطيرة ألاّ يكون عجولاً ولقد كان عليه الاّ يستجيب لنزوات المتسرعين من الإخوان المسلمين وأن ينأى بنفسه عن ألاعيب ومناورات المرشد الأعلى ومخططات مجلس شورى الجماعة فالأيام لا تزال أمامه ولا ضرورة لتحدي المحكمة الدستورية العليا على هذا النحو حيث أن هذا «الانقلاب» الذي قام به ضد القضاء وضد القانون قد يدخل البلاد وهو سيدخلها إن لم يجرِ تدارك الأمور بسرعة في اختبار صعب وفي تجربة خطيرة!!.