لم يعُد حتى موعد الإنتخابات النيابية ،التي قيلت حول إمكانية أو عدم إمكانية إجرائها وجهات نظرٍ كثيرة، إلاَّ أقلُّ من شهر وهذا يعني وفقاً للإنجازات الفعلية التي حققتها «الهيئة المستقلة» أن كل شيء سيكون على ما يرام وأن بلدنا مع نهايات الشهر المقبل سيكون له «برلمان» من نمط جديد يختلف عن كل البرلمانات التي أعقبت إستئناف الخيار الديمقوقراطي في العام 1989 في أنه من المفترض أن يكون بمثابة نقلة نوعية في إتجاه إستكمال ما تحقق من خطوات إصلاحية لابد من إستكمالها حتى يلتحق الأردن بركب دول الديموقراطيات العريقة.
لقد بقي هناك من ينعقون كغربان الشؤم بأن البرلمان السابق لن يُحَل وأنه لن يكون هناك قانون إنتخابات جديد وأن الأردنيين بغالبيتهم سيعزفون عن «التسجيل» لهذه الإنتخابات وإن من «يسجِّل» منهم لن يستطيع الذهاب للتصويت وأن من سيذهب إلى صناديق الإقتراع سيجدها محشوة بالأوراق التي تحمل أسماء الفائزين و»إنَّ حليمة ستبقى على عادتها القديمة» وأن الطَّبع غلب التَّطبُع وأنَّ كل شيءٍ سيبقى على ما كان عليه.
لم تكن هذه التصورات والتخيلات والإستنتاجات المسبقة تقتصر على «إخواننا» الإخوان المسلمين ،الذين استبدت بهم نشوة إنتصارات «إخوانهم» في مصر وفي تونس فأصبحوا يمشون على رؤوس أصابع أقدامهم رافعين شعار :»إننا قادمون»، بل أنَّ حتى بعض الذين يعتبرون رجال دولة والذين تقلبوا على ارائك الوظائف العليا حتى إزْرَقَّت جنوبهم قد إنضموا إلى مواكب «الناعقين» وشاركوا غربان الشؤم في رسم صورة لحاضر ومستقبل هذا البلد حالكة السواد.
وحتى عندما بدأت عجلات قاطرة الإنتخابات تغض الخطا نحو الثالث والعشرين من الشهر المقبل وأستُكْمِلتْ كل الإجراءات الإدارية والقانونية المطلوبة من حلِّ البرلمان السابق ،غير مأسوف على شبابه، إلى «التسجيل» للإنتخابات وبنسبة مرتفعة حتى قياساً بواقع الحال في دول الديموقراطيات العريقة إلى كل ما قامت به الهيئة المستقلة إلى كل إندفاعة الترشُّح الهائلة وارتفاع لافتات المرشحين في الشوارع والساحات العامة.. حتى بعد هذا كله فقد تواصل نعيق غربان الشؤم والمراهنة على أن مفاجأة سورية ستقع وأن الإنتخابات لن تجري في الموعد المقرر وأنَّ مجلس النواب السابق عائدٌ لا محالة وأن فرسانه راجعون.
وهنا فإنه على من لمْ يبق لهم ما يراهنون عليه إلاَّ كارثة سورية مفاجئة أن يدركوا أنه لا تدخل عسكرياً من الخارج في الشؤون السورية على الإطلاق وان ترتيبات رحيل بشار الأسد ونظامه قد دخلت مرحلة الجدية وأنَّ هدف كل هذا التصعيد الأخير ،إن في الكلام وإن في المدافع والصواريخ والغازات السامة والقصف الجوي، هو لتحسين المواقع التفاوضية والسعي لإنتزاع ما يمكن إنتزاعه من صفقة دولية ،قد تستغرق بعض الوقت، لكنها ستتم حتماً إنْ قبل وإن بعد إلانتخابات النيابية في الثالث والعشرين من الشهر المقبل.
إنه على كل هؤلاء «الناعقين» و»المشككين» وأيضاً «المؤلفة قلوبهم» أن يتأكدوا من أن هذا البلد سيبقى صامداً وأنه في الوقت نفسه سيواصل إنجازاته الإصلاحية فهذا مطلب للشعب الأردني كله وليس لفئة قليلة ترفع شعارات البناء والإصلاح وهي تتسلح بمعاول الهدم.. إن لهذا البلد ربا يحميه وشعبا يحرسه وقيادة لا تعرف العنف ولا الإنتقام وتتحلى بفضيلة التسامح والصبر مصممة على الوصول ببلدنا إلى بَرِّ الأمان ووضعه على شاطئ السلامة والإنجازات الفعلية والحقيقية.