اخبار البلد
وصلنا أمس إلى دعوة السلفية الجهادية إلى الانخراط في الحياة السياسية والمدنية، إذ يوفّر هذا الخيار للتيار القدرة على امتلاك مؤسسات ومنابر وأدوات للتعريف بنفسه، وكي لا يكون "فريسة" سهلة لعملية "الشيطنة" الإعلامية والسياسية. وهو الدرس الذي يمكن تعلمه بسهولة من أحداث الزرقاء في منتصف نيسان 2011، وما تبعها من تداعيات.إذا قرّرت النخبة الجديدة في التيار المضي قدماً في هذه الطريق، فسيصبح تكوين جبهة سلفية موحدة للعمل المدني والسياسي أمراً ممكناً مع مجموعات وجماعات سلفية أخرى في البلاد، تتأثر حالياً بما يحدث في الساحة المصرية، وبدأ يتسرب إلى دول أخرى، مثل اليمن وتونس والمغرب، مما ينقل العمل السلفي بأسره من طور الدعوة والتربية والمجتمع إلى السياسة والحقل المدني.هذه الملاحظة يلتقطها الباحث السلفي المتميز الزميل أسامة شحادة، في مقالته في "الغد" أول من أمس (في استعراضه لمذكرات المرشح الرئاسي عبدالمنعم أبو الفتوح- المدعوم من الأحزاب السلفية)، عندما يقرّر – ضمنياً- بأنّ توقف السلفية عند المرحلة التعليمية والدعوية في التغيير هو خطأ في استراتيجية التغيير والإصلاح. وهو ما التقطه سابقاً سلفيو الكويت والبحرين -المتأثرون بمدرسة الشيخ السلفي المعروف عبدالرحمن عبدالخالق- وقرروا منذ التسعينيات الانخراط في العمل السياسي والبرلماني، حتى مع عدم توفر "المظلات الحزبية" في تلك الدولتين.هذا من ناحية السلفية، أما من ناحية الدولة، فإنّ المصلحة تكمن أيضاً في هذا الانخراط في المعادلة السياسية والحياة المدنية، حتى لا يبقى التعامل مع هذه الجماعات بوصفها "حالة أمنية"، خارج مظلة القانون، ويصبح انخراطها في المعادلة السياسية محدداً موضوعياً لنشاطها والتزاماتها مع الأطراف الأخرى، سواء في الدولة أو المعارضة.بالضرورة، لا نتوقع أن يقفز السلفيون مرّة واحدة إلى مربع القبول بالديمقراطية؛ فحتى في مصر والدول الأخرى، ما يزالون يتحفظون عليها، ويقرّ عبدالرحمن عبدالخالق بأنّ التعامل معها يأتي من باب "النظام الانتقالي"، وصولاً إلى الهدف النهائي "تطبيق الشريعة الإسلامية".في المقابل، فإنّ الرهان هنا على إلزام السلفيين بـ"العقود"، ومنها العقد السياسي المحدد لنشاطهم وعملهم من ناحية، وعلى أنّ الانخراط في العمل الواقعي السياسي كفيل بتطوير الفقه السياسي السلفي مع الوقت، أسوة بما حدث مع جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت قبل عقدين من الزمن تبدي تردّداً في الالتزام بالديمقراطية ومؤشراتها؛ من تداول سلطة، وتعددية، وحريات عامة وفردية.. إلخ.في دراسة مطولة أعكف عليها منذ أشهر، أتابع من خلالها التحولات والتطورات السلفية في الثورات الديمقراطية العربية، وأحاول "تمثّل" السيناريوهات المتوقعة لهذه التحولات مستقبلاً، فإنّ إحدى الخلاصات الأساسية هي أنّنا بالرغم من عدم قدرتنا على الجزم باتجاه سيناريو محدد لتطور السلفيين، فإنّ الرهان الديمقراطي يبقى هو الأجدى والأكثر نفعاً وفعالية في التعامل مع "التحدي السلفي" في المجتمعات العربية اليوم.الرهان الأمني يرحّل المشكلات ويكتّلها، لا يحلها، ولا ينظر أبعد من تصنيف "مع أو ضد"، فلا يأخذ بعين الاعتبار الأسئلة الأكثر أهمية وبعداً، مثل المصداقية والشرعية السياسية، إذ لا ينظر إلى التحولات الكبرى التي تحدث في عمق المجتمع، وهي الأكثر أهمية مما يدور على سطح المشهد السياسي، ولا يفكر بعقلية "الاحتواء" والتطوير، وهو الذي نعوّل عليه ليس فقط في توسيع نطاق المشهد السياسي وألوانه، بل في "تحديث" المجتمع والقوى الفاعلة فيه، التي ما تزال إلى الآن خارج المناظرة السياسية والإعلامية