أحد جوانب الخللالرئيسة في المعادلة الاقتصادية- السياسية الراهنةيتمثّل في غياب دور القطاع الخاصعن المحافظات،واستمرار الاعتمادعلى الضخغير المدروسفي القطاعالعام، لأسبابسياسية، وليستاقتصادية أو إدارية، ما يؤدي إلى إشعال حرائقالموازنة، والاستنزافالجائر في الاقتصاد الوطني،إذ تكادتقترب النفقاتالجارية والتشغيليةاليوم من إجمالي الإيراداتالمحلية في الموازنة!حل مشكلة المحافظاتالتنموية والخدماتيةوالسياسية والاقتصاديةيبدأ بإيجادشروط الحياةوالتربة الخصبةللاستثمارات وللقطاعالخاص لينموفي هذه المحافظات ويتولىالمهمة الاستراتيجيةفي توفيرفرص عمل وحل مشكلتيالبطالة والفقراللتين أرهقتاشريحة اجتماعيةواسعة.ذلك يقتضي، بالإضافةإلى التشريعاتوالدراسات التيتمنحنا مؤشراتحول استراتيجياتهذا "التوليد"، أن يتم تدعيم صندوقتنمية المحافظات،وتوجيه جزء كبير من خططه للتعليم (الأكاديمي والمهني) ولتدريب الشبابعلى المهاراتالمطلوبة التيتتناسب مع سوق العمل،مع تشجيعالمشاريع الصغيرةوالمتوسطة، بعد أن أثبتتالمناطق الصناعيةوالخاصة في صيغتها الحاليةفشلها، بل وجلبت سخطاشعبيا بدلامن أن تكون مفتاحاللحل!أحسبأنّ تحديتواجد القطاعالخاص وجذبالاستثمارات الحقيقيةفي المحافظاتالمختلفة بمثابةأولوية أساسيةللدولة اليومللخروج من الأزمة المركبة (السياسية، الاقتصاديةوالثقافية- المجتمعية)، فالقطاعالعام الذيأدّى دوراحيويا وأساسيافي بناءمؤسسات الدولةخلال عقديالسبعينيات والثمانينيات،لم يعد قادرا على استقبال أعدادكبيرة من الموظفين، بل يعاني هو اليوم من الترهل، ويحتاجإلى عملياتجراحية وخططمكثفة استراتيجيةلترشيقه وتطويرهوإصلاحه.نحن اليوم على مفترق طرق؛بعد أن انتهت المعادلةالسياسية- الاقتصادية التي حكمتالدولة خلالالعقود الأربعةالماضية، وتميزتبالطبيعة الرعويةوالعلاقة الزبائنية،ولعب فيهاالقطاع العامدورا تاريخيافي بناءالمؤسسات، لكننااليوم أماممعطيات وشروطجديدة لاستكمالالمسيرة. أما ما نشاهدهمن استدامةالعلاقة الرعويةفهي بمثابةقتل لإمكانيةإصلاح القطاعالعام، وتحسينظروفه الاقتصاديةوأدائه الإداريوالفني، وفي المقابل إرهاقللدولة واقتصادها،وتجذير الخللالكبير الحاصلفي الفجوةالتنموية والاقتصاديةما بين عمان والمحافظات.المطالبة بالعودةإلى "دولةالقطاع العام" أو فرض هذا النمطبوصفه خيارالأبناء المحافظاتوالعشائر فيه تجذيف بعكسحركة التاريخ،وتضليل للمساراتالاستراتيجية الحقيقيةالتي تمنحهمبالفعل فرصاللمستقبل وأملافي غد مختلف لأبنائهم،يكونون قادرينفيه على المنافسة والإبداعوالابتكار، بعد أن توافرتالعدالة من خلال نهضةتعليمية وتدريبيةلتأهيل الأجيالالجديدة لسوقالعمل والإنتاج،بدلا من الاعتماد على مبدأ "الأقلحظّا" والاستثناءات،إذ إنّ ذلك يرحّلالأزمات والمشاكلويفاقم أبعادهاوتداعياتها.هذا لا يعنيأنّ الخيارالبديل هو "النيو ليبرالية"، كما يجادلبعض السياسيينوالمثقفين في اختزال المعادلة،فهنالك صور مختلفة ومتعددةمن الليبرالية،من بينهاالليبرالية الاجتماعية،وهي الأقربلتكوين المجتمعواللحظة التاريخيةالراهنة، وهي التي تسمحبالتوازن بين عوامل التطويروالنهوض والنمووالتنمية من جهة والأبعادالاجتماعية والإنسانيةمن جهة أخرى، أي أنّها الطريقالثالث الذييجب أن نرسم معالمهبوضوح ليكونمسارنا التوافقيالقادم.سياسيا،لا يمكنالحديث عن دولة القطاعالعام الديمقراطية،هذا خيارغير موجودواقعيا، فالعلاقةالريعية لا تنتج إلا نظما مستبدة،والمواطن القادرعلى الدفاععن حقوقه،هو المستقلماليا، الذييعرّف مصالحهخارج سياقالتبعية للدولةفي الوظيفةالعامة التيتقيد، بالضرورة،حريات الأفرادفي انتقادالحكومة والنضالمن أجل تكريس نظم ديمقراطية تعددية.