أفغانستان وباكستان... الجار عدوّ الجار

أفغانستان وباكستان... الجار عدوّ الجار
توفيق شومان
أخبار البلد -  

في خضمّ المفاصل الكبرى التي يشهدها الشرق الأوسط، أخذت المواجهات الأفغانية ـ الباكستانية في الأسابيع الفائتة حيّزاً ضيّقاً من الاهتمام الشعبي على المستوى الإقليمي العام، فحرب الإبادة الإسرائيلية المستمرّة على قطاع غزّة، والمترافقة مع اعتداءات متواصلة على لبنان وسورية، كادت تحجب الوقائع الملتهبة في جانبَي الحدود بين أفغانستان وباكستان، وهي وقائع عمرُها من عمر الدولة الباكستانية مع الجار الأفغاني اللدود.

جاء في كتاب بعنوان "أفغانستان في مقالات" أصدرته السفارة الأفغانية في القاهرة عام 1950، أن أفغانستان تحدّها إيران من الغرب، ومن الجنوب بلوشستان، ومن الشرق "الحدود الشمالية الغربية في باكستان، وجميع سكّان هذه المنطقة أفغانيون دماً ولغةً وتقاليدَ (وقد) ضُمَّت إلى الإمبراطورية الإنكليزية الهندية عندما كانت أفغانستان ضعيفةً". لا يتيح هذا التصويب المُبكّر على نزاعات جغرافية وحدودية بين كابول وإسلام أباد، بأيّ معنى، القول إن المواجهات التي اندلعت في التاسع من الشهر الفائت (أكتوبر/ تشرين الأول) عابرة، أو أنها مجرّدة من جذور آخذة بالتمدّد والتشعّب والتراكم منذ استقلال باكستان عام 1947. فالأفغان يعتبرون أن أجزاءَ من باكستان تقطنها قبائل البشتون، مثل مدينة بيشاور وغيرها، لا جدال بأفغانيتها ولا بتبعيتها لأفغانستان منذ انبثاق مملكتها الحديثة عام 1747، وقد انتُزعت منها عام 1893، وهذه الثقافة ذات البناء التاريخي لا يناقش فيها الأفغان، ملكيين كانوا أو يساريين أو طالبانيين.

يعود تاريخ المواجهات بين باكستان وأفغانستان إلى 12 يونيو/ حزيران 1949. حينها اتهمت كابول جارتها إسلام أباد بالإغارة الجوية على منطقة مغولكي حيث قُتل وجُرح عدد من الأشخاص. وفي 29/6/1949 كتب المفكّر المصري محمد توفيق دياب مقالةً في مجلة مسامرات الجيب (القاهرية): "نريد باكستان وأفغانستان جارَتين مستقلَّتَين ذاتا سيادة، وليس في البلاد الإسلامية داء أودى بمجدها كداء التنافر والتحاسد والخصام". وأصدر مجلس النواب الأفغاني بياناً أكّد فيه "أن استقلال إخواننا الأفغانيين من شترال إلى بلوخستان من أهم أمانينا، ولن نتنازل عنها". وعلى هذه القاعدة النزاعية نشأت العلاقات السلبية الباكستانية ـ الأفغانية. فباكستان التي واجهت الهند، منذ تبلورها دولةً ووطناً، كان عليها أن تنظر بعين الريب إلى أفغانستان الطامحة باستعادة مناطق البشتون، لتتطوّر الطموحات نفسها إلى المطالبة بمناطق البلوش، وهذا ما أدى عملياً إلى أن تتشكّل شبكة من المصالح الخارجية بين الملك ظاهر شاه والهند والإتحاد السوفييتي، منذ 1947 إلى لحظة إطاحته عام 1973، مع العلم أن أفغانستان عارضت دخول باكستان الأمم المتحدة.

وطوال الفترة الطويلة من إمساك ظاهر شاه بمفاصل العرش والسلطة، كانت أفغانستان (كما الهند) تعمل على تشجيع المنظّمات الباكستانية المتمرّدة، مثل منظمة ميرزا خان، في مطالع الخمسينيّات، وكذلك الحال حين دعمت الحركات الانفصالية التي قادتها جماعات قومية بلوشية عام 1971 بالتشارك مع الهند والعراق، فنيودلهي وبغداد استثمرتا آنذاك في النزاع القائم بين باكستان الشرقية والغربية، وأفضى إلى انشقاق بنغلادش عن الدولة الباكستانية الأمّ، ومن خلال تحريك الجماعات القومية البلوشية توسّعت المصالح الهندية ـ الأفغانية، وارتفع، في المقابل، منسوب الحذر الباكستاني من الجار الأفغاني.

في 17 يوليو/ تموز 1973، أطاح الجنرال محمد داود (ذو الميول اليسارية) الملك ظاهر شاه الذي كان موجوداً في إيطاليا، وأعلن قيام "الجمهورية"، وكتبت صحيفة الأنوار اللبنانية في اليوم الذي تلا الانقلاب نصَّ البلاغ الذي أذاعه داود، وفيه: "بخصوص علاقتنا مع باكستان، فإن نزاعاً سياسياً يقوم بيننا وبين هذا البلد، وهو البلد الوحيد الذي لم ننجح في حلّ مشكلة معه". وتوسّعت صحيفة النهار في إبراز المعلومات المرتبطة بشخصية الجنرال داود واتجاهاته السياسية، واستندت إلى آراء مراقبين استطلعتها وكالتا رويترز والصحافة الفرنسية فأجمعت على أن داود "من المتشدّدين في العلاقات مع باكستان، ومن مؤيّدي زيادة الدعم الأفغاني لرجال قبائل البشتون الثائرة في مناطق الحدود الباكستانية".


وخلال السنوات الخمس التي ضبط فيها الجنرال داود بوصلة الحُكم، كان اليساريون الأقرب إلى مواقع القرار، وهذا زاد الطين بِلَّةً في العلاقات مع باكستان، فاليساريون المقرّبون من السلطة أصدقاء موسكو، والأخيرة كانت شاركت بجيشها (الأحمر) مع القوات الهندية في حرب انفصال بنغلادش عن باكستان سنة 1971. وعلى هذا المشهد المضطرب، راحت العلاقات الباكستانية ـ الأفغانية تزداد سوءاً، إلى أن حلّ الأسوأ من منظور إسلام أباد، حين أسقط اليساريون الجنرال داود بانقلاب عسكري في 27/4/1978، وتبع ذلك اجتياح الجيش الأحمر السوفييتي أفغانستان في 24/12/1979، فتولّى بابراك كارمال قيادة البلاد التي تجمّع فيها الثلاثي المعادي: الأفغان اليساريون والسوفييت وأصدقاؤهم الهنود.

ومن هذه النافذة دقّ الباكستانيون النفير لمواجهة ما اعتبروه خطراً آتياً من كابول، فجنّدوا المُجنَّدين، وجيّشوا الجيوش، وشكّلوا الظهير الاستراتيجي لمقارعة اليسار على الأرض الأفغانية، إلى أن انسحب الجيش السوفييتي في فبراير/ شباط 1989، لكنّ حرباً أهليةً اندلعت بعدما تهاوى النظام اليساري عام 1992، فلجأ رئيسه محمّد نجيب الله إلى مقرّ الأمم المتحدة في العاصمة الأفغانية وفرّت عائلته إلى الهند، وأعدمته حركة طالبان شنقاً حين استولت على كابول في 27 سبتمبر/ أيلول 1996.

وفي لحظة التحولات الأفغانية بعد انهيار الحُكم اليساري، بدا قلب الدين حكمتيار (زعيم الحزب الإسلامي) قاب قوسين أو أدنى من التحوّل إلى الحاكم الأفغاني الأوحد، لكن باكستان رأت فيه مهدّداً لنظامها السياسي، ونُقل آنذاك عن وزير الداخلية الباكستانية نصير الله بابر قوله: "إذا أمسك حكمتيار الحُكم في أفغانستان، ففي اليوم التالي سيحكم باكستان". وعلى بساط هذه المقولة الأمنية، خرجت حركة طالبان من مدارسها الدينية (غير السياسية) إلى دبّابات السلطة، فأزاحت فصائل المجاهدين كلّها، وغدت الحاكمة بأمرها حتى عام 2001.

يقول الباكستانيون إن حركة طالبان الأفغانية تدعم حركة طالبان الباكستانية، وذاك هو سبب المواجهات أخيراً، ولو صحّ ذلك (وهو صحيح على الأرجح)، فالأمر لا يخرج عن تقليد في كابول من النظام الملكي إلى النظام الطالباني بدعم "الأخوة البشتون" في باكستان، فهؤلاء أفغان، وأرضهم أفغانية، وكلاهما له حقّ العودة أو الإعادة أو الاستعادة... ولله في خلقه شؤون.

شريط الأخبار "إدارة الأزمات" تحذر من مخاطر عدم الاستقرار الجوي خلال الـ48 ساعة القادمة "النقل البري": إلزام سائقي التطبيقات الذكية بالضمان الاجتماعي قيد الدراسة (43 %) من متقاعدي الضمان تقل رواتبهم عن 300 دينار استقالة عكروش من رئاسة الجامعة الأمريكية في مأدبا غوغل تكشف أبرز مواضيع بحث الأردنيين في 2025 استعادة 100 مليون دينار سنويا عبر التحقيقات وملاحقة قضايا الفساد مراسم الاستقبال الرسمي لبوتين أمام القصر الرئاسي في نيودلهي (فيديو) حفل سحب قرعة كأس العالم 2026 اليوم أجواء لطيفة اليوم وغير مستقرة غداً وفيات الأردن اليوم الجمعة 5/12/2025 "شيطان يطاردني منذ 7 أكتوبر.. فعلت أشياء لا تغتفر": ضابط إسرائيلي في لواء غفعاتي ينتحر بعد اجتماع ديسمبر.. الفدرالي الأميركي يستعد لثمانية اجتماعات حاسمة في 2026! وزير العمل: شبهات اتجار بالبشر واستغلال منظم للعمالة المنزلية الهاربة اتفاق أردني سوري لإنعاش الأحواض الشمالية قريبا هيئة النزاهة: استعادة 100 مليون دينار سنويا عبر التحقيقات وملاحقة قضايا الفساد حماس: نتوقع حدوث محاولة اغتيال في دولة غير عربية انخفاض سعر صرف الدولار إلى ما دون 76 روبلا للمرة الأولى منذ 12 مايو 2023 آخر موعد للتقديم على المنح والقروض من "التعليم العالي" وزارة اردنية الافضل عربيا من هي ؟ العراق يتراجع عن إدراج حزب الله والحوثيين على قوائم الإرهاب