يفترض تعبير "بترودولار", كما توحي الكلمتان اللتان يتألف منهما التعبير: بترو, بمعنى نفط, ودولار, أن البترودولار هو ببساطة عائدات بيع النفط من قبل الدول التي تصدره, سواء كانت أعضاء في أوبك, منظمة الدول المصدرة للنفط, أو خارجها. لكن القصة ليست بتلك البساطة, ففنزويلا تصدر النفط, وكذلك كندا, ناهيك عن روسيا وغيرها من الدول, ورغم ذلك, لا تتبادر أي من تلك الدول إلى الأذهان عندما يستخدم أحدهم أمامك تعبير "بترودولار"...
التعريف الرسمي للبترودولار, حسب كل المصادر الموثوقة, هو عائدات بيع النفط التي يتم إيداعها في بنوك الدول نفسها التي اشترته, أو في البنوك العالمية عامة, وهو أصل ما يسمى ب¯ "الصناديق السيادية" لدى الدول المصدرِة للنفط التي تدير فيها ثروتها على شكل محفظة استثمارية موزعة إلى أسهم وسندات ومعادن ثمينة الخ... وتصل قيمة بعض تلك الصناديق إلى مئات مليارات الدولارت, أهمها صندوق سلطة أبو ظبي الاستثمارية الذي تأسس عام 1976 والذي بلغت قيمة موجوداته في بداية شهر كانون أول 2011 أكثر من 627 مليار دولار, وغيرها من الصناديق السيادية (وهذا ليس الصندوق السيادي الوحيد لأبو ظبي أو للأمارات بالمناسبة).
المهم أن الدول التي تتحكم بطريقة استخدام عائداتها النفطية كما تشاء, مثل فنزويلا وروسيا, والتي تعيد توجيهها ضمن خطة خاصة بها, فلا تتركها في البنوك الغربية لتوجهها الأخيرة كما تشاء, لا يُشار لعائداتها من النفط كبترودولار, إلا على سبيل التعميم, ومن قبل غير المتخصصين.
فالبترودولار هو الدولار النفطي الخارج عن طوع السيادة والقرار الوطني المستقل. والأمر لا يتعلق بالسياسة فحسب, بل هو شأن مالي واقتصادي أساساً يتم تطويع السياسة على مقاسه. والحال أن العائدات النفطية الضخمة في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات تم توجيهها من قبل البنوك الغربية كقروض للدول النامية, خاصة تلك المستوردة للنفط, مما أوقعها بعبودية المديونية الخارجية التي فرضت وصاية المؤسسات الاقتصادية الدولية عليها, فكسبت البنوك الغربية من جهتين: الفوائد الرهيبة على البترودولار, وإخضاع دول العالم الثالث المستوردة للنفط بالجملة, مما أدى لضرب مشروعها الوطني التنموي المستقل, أو "مشروع باندونغ" كما يسمى أحياناً. ومن هنا نشأ مصطلح في الاقتصاد السياسي هو "إعادة تدوير البترودولار", أي إعادة تدويره من قبل البنوك الغربية لاستعباد العالم الثالث اقتصادياً. وثمة أدبيات كثيرة حول هذا الموضوع.
نستنتج من هذا أن الدول التي تحاول استخدام عائداتها النقدية من بيع النفط بشكل يتعارض مع مصلحة البنوك والشركات الغربية الكبرى تدخل في صراع ضارٍ على استقلالها وسيادتها مع حلف الناتو, الجناح العسكري لرأس المال المالي الدولي. ونسوق هنا مثالين حديثين جداً: 1) محاولة ليبيا استخدام عائداتها النفطية لتأسيس "صندوق نقد أفريقي" يكون بديلاً لصندوق النقد الدولي في القارة السمراء, 2) شروع ليبيا بتأسيس قمر صناعي أفريقي يكون بديلاً عن القمر الصناعي الأوروبي الذي تعتمد عليه الدول الأفريقية لبث فضائياتها والتي تدفع له مبالغ طائلة سنويا. ناهيك عن دور النفط والغاز في صعود روسيا وفنزويلا, على الصعيدين العالمي والإقليمي, بالتتالي.
ولاحظوا أننا نقول "البترودولار", ولا نقول "البترويورو" أو "البتروين" (نسبة للين الياباني) أو "البتروفرنك" (نسبة للفرنك السويسري مثلاً). ويعود هذا لكون النفط يباع عالمياً بالدولار, ويسعَّر بالدولار, ولاحظ أن النشرة الاقتصادية تنقل لك سعر برميل النفط بالعقود الآجلة مثلاً بعد ثلاثة أشهر بالدولار, لا بأية عملة أخرى.
وهذا أمر مهم جداً لأن تسعير النفط بالدولار, وتقاضي ثمنه بالدولار, يعني زيادة الطلب العالمي على الدولار, وفرض إبقاء احتياطي كبير من الدولار في البنوك المركزية, خاصة في الدول المستوردة للنفط, لكي تغطي واردتها من النفط خلال الأشهر القادمة... فتخيل ماذا يحدث لو أصرت الدول المنتجة للنفط على تقاضي ثمنه وسعرته بعملة غير الدولار?! يعادل هذا في الواقع إعلاناً للحرب على الولايات المتحدة الأمريكية لأنه سيعني هبوط الطلب على الدولار الأمريكي, وهذا يعني انخفاض سعره مقابل العملات الأخرى. وبما أن الولايات المتحدة هي حالياً أكبر دولة مستوردة في العالم, فإن ذلك سيعني كارثة اقتصادية بالنسبة للشعب الأمريكي. كما أن الولايات المتحدة تستورد نسبة كبيرة من نفطها, وبالتالي فإنها ستضطر لدفع ثمن أكبر للنفط الذي تستورده لو تم تسعير النفط العالمي بعملة أو عملات غير الدولار...
هنا لا بد من التذكير أن العراق تحت الحصار أصر عام 2000على تقاضي ثمن نفطه باليورو, وهو ما اعتبره بعض الكتاب مثالاً ساطعاً على ما سموه ب¯ "حروب البترودولار", إذ رأوا أن ذلك أحد الأسباب الحقيقية للعدوان على العراق, ويذكر أن أحد أهم القرارات التي اتخذها الاحتلال بعد سيطرته على العراق كان تقاضي ثمن النفط العراقي بالدولار, كما ذكرت الفايننشال تايمز البريطانية في 5/6/.2003
وبعد فترة من التعاون الإيراني مع الولايات المتحدة في العراق, بدأ التنافس يتخذ طابعاً دموياً, فهل كان لقرار إيران عام 2006 التحول لتقاضي ثمن النفط الإيراني باليورو دوراً في تصاعد الصراع بين الطرفين على العراق, أم أن تصاعد الصراع هو الذي دفع إيران للتحول لليورو?
عموماً الحديث يدور عن "الهيمنة العالمية للدولار", الذي يشكل "البترودولار" أحد دعاماته. ولا يزال الدولار مسيطراً, في التبادل التجاري العالمي واحتياطيات البنوك المركزية في العالم, ولكن إلى متى?
المهم أن "البترودولار" مشروع سياسي تابع للإمبريالية, لا مجرد عائد مبيعات النفط. وما يجرى في الوطن العربي من قفز "بترودولاري" على المشهد الإعلامي والسياسي والانتخابي العربي هو وظيفة أخرى للبترودولار, عندما نرى تحالفاً بين بعض القوى الإسلامية وحلف الناتو يقوم على "احترام الالتزامات الدولية" للإسلاميين في الحكم, فاقرأ: لهم "البترودولار" وعلاقاتنا الاقتصادية الدولية واصطفافاتنا الإقليمية, ولنا الحياة الاجتماعية والثقافية لعامة الناس. فيا لها من صفقة "بترودولارية" نموذجية!
التعريف الرسمي للبترودولار, حسب كل المصادر الموثوقة, هو عائدات بيع النفط التي يتم إيداعها في بنوك الدول نفسها التي اشترته, أو في البنوك العالمية عامة, وهو أصل ما يسمى ب¯ "الصناديق السيادية" لدى الدول المصدرِة للنفط التي تدير فيها ثروتها على شكل محفظة استثمارية موزعة إلى أسهم وسندات ومعادن ثمينة الخ... وتصل قيمة بعض تلك الصناديق إلى مئات مليارات الدولارت, أهمها صندوق سلطة أبو ظبي الاستثمارية الذي تأسس عام 1976 والذي بلغت قيمة موجوداته في بداية شهر كانون أول 2011 أكثر من 627 مليار دولار, وغيرها من الصناديق السيادية (وهذا ليس الصندوق السيادي الوحيد لأبو ظبي أو للأمارات بالمناسبة).
المهم أن الدول التي تتحكم بطريقة استخدام عائداتها النفطية كما تشاء, مثل فنزويلا وروسيا, والتي تعيد توجيهها ضمن خطة خاصة بها, فلا تتركها في البنوك الغربية لتوجهها الأخيرة كما تشاء, لا يُشار لعائداتها من النفط كبترودولار, إلا على سبيل التعميم, ومن قبل غير المتخصصين.
فالبترودولار هو الدولار النفطي الخارج عن طوع السيادة والقرار الوطني المستقل. والأمر لا يتعلق بالسياسة فحسب, بل هو شأن مالي واقتصادي أساساً يتم تطويع السياسة على مقاسه. والحال أن العائدات النفطية الضخمة في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات تم توجيهها من قبل البنوك الغربية كقروض للدول النامية, خاصة تلك المستوردة للنفط, مما أوقعها بعبودية المديونية الخارجية التي فرضت وصاية المؤسسات الاقتصادية الدولية عليها, فكسبت البنوك الغربية من جهتين: الفوائد الرهيبة على البترودولار, وإخضاع دول العالم الثالث المستوردة للنفط بالجملة, مما أدى لضرب مشروعها الوطني التنموي المستقل, أو "مشروع باندونغ" كما يسمى أحياناً. ومن هنا نشأ مصطلح في الاقتصاد السياسي هو "إعادة تدوير البترودولار", أي إعادة تدويره من قبل البنوك الغربية لاستعباد العالم الثالث اقتصادياً. وثمة أدبيات كثيرة حول هذا الموضوع.
نستنتج من هذا أن الدول التي تحاول استخدام عائداتها النقدية من بيع النفط بشكل يتعارض مع مصلحة البنوك والشركات الغربية الكبرى تدخل في صراع ضارٍ على استقلالها وسيادتها مع حلف الناتو, الجناح العسكري لرأس المال المالي الدولي. ونسوق هنا مثالين حديثين جداً: 1) محاولة ليبيا استخدام عائداتها النفطية لتأسيس "صندوق نقد أفريقي" يكون بديلاً لصندوق النقد الدولي في القارة السمراء, 2) شروع ليبيا بتأسيس قمر صناعي أفريقي يكون بديلاً عن القمر الصناعي الأوروبي الذي تعتمد عليه الدول الأفريقية لبث فضائياتها والتي تدفع له مبالغ طائلة سنويا. ناهيك عن دور النفط والغاز في صعود روسيا وفنزويلا, على الصعيدين العالمي والإقليمي, بالتتالي.
ولاحظوا أننا نقول "البترودولار", ولا نقول "البترويورو" أو "البتروين" (نسبة للين الياباني) أو "البتروفرنك" (نسبة للفرنك السويسري مثلاً). ويعود هذا لكون النفط يباع عالمياً بالدولار, ويسعَّر بالدولار, ولاحظ أن النشرة الاقتصادية تنقل لك سعر برميل النفط بالعقود الآجلة مثلاً بعد ثلاثة أشهر بالدولار, لا بأية عملة أخرى.
وهذا أمر مهم جداً لأن تسعير النفط بالدولار, وتقاضي ثمنه بالدولار, يعني زيادة الطلب العالمي على الدولار, وفرض إبقاء احتياطي كبير من الدولار في البنوك المركزية, خاصة في الدول المستوردة للنفط, لكي تغطي واردتها من النفط خلال الأشهر القادمة... فتخيل ماذا يحدث لو أصرت الدول المنتجة للنفط على تقاضي ثمنه وسعرته بعملة غير الدولار?! يعادل هذا في الواقع إعلاناً للحرب على الولايات المتحدة الأمريكية لأنه سيعني هبوط الطلب على الدولار الأمريكي, وهذا يعني انخفاض سعره مقابل العملات الأخرى. وبما أن الولايات المتحدة هي حالياً أكبر دولة مستوردة في العالم, فإن ذلك سيعني كارثة اقتصادية بالنسبة للشعب الأمريكي. كما أن الولايات المتحدة تستورد نسبة كبيرة من نفطها, وبالتالي فإنها ستضطر لدفع ثمن أكبر للنفط الذي تستورده لو تم تسعير النفط العالمي بعملة أو عملات غير الدولار...
هنا لا بد من التذكير أن العراق تحت الحصار أصر عام 2000على تقاضي ثمن نفطه باليورو, وهو ما اعتبره بعض الكتاب مثالاً ساطعاً على ما سموه ب¯ "حروب البترودولار", إذ رأوا أن ذلك أحد الأسباب الحقيقية للعدوان على العراق, ويذكر أن أحد أهم القرارات التي اتخذها الاحتلال بعد سيطرته على العراق كان تقاضي ثمن النفط العراقي بالدولار, كما ذكرت الفايننشال تايمز البريطانية في 5/6/.2003
وبعد فترة من التعاون الإيراني مع الولايات المتحدة في العراق, بدأ التنافس يتخذ طابعاً دموياً, فهل كان لقرار إيران عام 2006 التحول لتقاضي ثمن النفط الإيراني باليورو دوراً في تصاعد الصراع بين الطرفين على العراق, أم أن تصاعد الصراع هو الذي دفع إيران للتحول لليورو?
عموماً الحديث يدور عن "الهيمنة العالمية للدولار", الذي يشكل "البترودولار" أحد دعاماته. ولا يزال الدولار مسيطراً, في التبادل التجاري العالمي واحتياطيات البنوك المركزية في العالم, ولكن إلى متى?
المهم أن "البترودولار" مشروع سياسي تابع للإمبريالية, لا مجرد عائد مبيعات النفط. وما يجرى في الوطن العربي من قفز "بترودولاري" على المشهد الإعلامي والسياسي والانتخابي العربي هو وظيفة أخرى للبترودولار, عندما نرى تحالفاً بين بعض القوى الإسلامية وحلف الناتو يقوم على "احترام الالتزامات الدولية" للإسلاميين في الحكم, فاقرأ: لهم "البترودولار" وعلاقاتنا الاقتصادية الدولية واصطفافاتنا الإقليمية, ولنا الحياة الاجتماعية والثقافية لعامة الناس. فيا لها من صفقة "بترودولارية" نموذجية!