خطاب ملكي يؤطر لتشريعات المستقبل

خطاب ملكي يؤطر لتشريعات المستقبل
د. عبير خالد مصلح
أخبار البلد -  
يأتي الخطاب الملكي الأخير لجلالة الملك عبدالله الثاني ليضع ملامح مرحلة جديدة من العمل الوطني، قوامها التحديث الشامل الذي يجمع بين السياسة والاقتصاد والخدمات العامة في منظومة واحدة متكاملة. فقد أكد جلالته أن الأردن لا يملك ترف الوقت ولا مجال للتراخي، في رسالة واضحة بأنّ الانتقال من الرؤية إلى التنفيذ بات ضرورة لا خيارًا.

إنّ جوهر الخطاب يتمثل في تحويل الإرادة السياسية إلى فعلٍ تشريعيٍّ مؤسسي، يضمن تسريع خطوات الإصلاح ويجعل من العمل الحزبي رافعةً لخدمة الوطن لا ساحةً للمصالح، ومن الاقتصاد الوطني منصةً للنمو والاستثمار وتوليد فرص العمل، ومن التعليم والصحة والقطاع العام مجالاتٍ للارتقاء النوعي الذي يلمسه المواطن في حياته اليومية. وبذلك، يشكّل الخطاب الملكي بوصلة تشريعية تؤطر لتحديثٍ متوازنٍ، تُعاد من خلاله صياغة الأدوات القانونية بما ينسجم مع متطلبات المستقبل.

يشكّل التحديث السياسي الركيزة الأولى في مسار الإصلاح الوطني الذي أكّد عليه جلالة الملك في خطابه الأخير، حين دعا إلى «تعزيز العمل الحزبي المكرّس لخدمة الوطن ولا شيء غير الوطن». فهذه الدعوة الملكية ليست مجرد توجيه سياسي، بل تمثل التزامًا بتحويل الأحزاب إلى مؤسسات فاعلة تقوم على البرامج لا الأشخاص، وعلى التنافس في خدمة الصالح العام لا في تحصيل المكاسب الفردية.

وعلى الرغم من التعديلات الأخيرة في قانون الأحزاب لسنة 2022، التي رفعت عدد الأعضاء المؤسسين للحزب وعدّلت اختصاصات حلّ الأحزاب، فإن القانون لا يزال بحاجة إلى تعزيز الشفافية في التمويل وتبسيط إجراءات التأسيس، لضمان دخول الأحزاب حيز العمل السياسي المؤسسي الفعّال. بالموازاة، يعتمد قانون الانتخاب لعام 2022 نظامًا مختلطًا يجمع بين الدوائر الفردية والقائمة العامة، ما ساهم في تعزيز التمثيل الحزبي، لكنه يفرض تحديات أمام الأحزاب الصغيرة بسبب العتبة الانتخابية والحاجة إلى حوافز إضافية لتعزيز التمثيل الواقعي لبرامجها.

وبما أن المشاركة السياسية لا تكتمل دون تمكين الشباب والمرأة، يبرز الحاجة إلى قانون داعم يتضمن حصصًا تمييزية مؤقتة (كوتا إيجابية) وبرامج تدريب وتمويل موجّهة، بما يضمن انخراط هذه الفئات في العمل العام بصورة فعّالة. ومن هذا المنطلق، يتضح أن ربط التوجيه الملكي بالتحديث التشريعي يتطلب بناء منظومة تشريعية متكاملة تُحوّل الأحزاب إلى مؤسسات وطنية مستدامة، لا أدوات انتخابية مؤقتة.

ولتفعيل هذا التوجه عمليًا، يُقترح تشكيل لجنة تشريعية وطنية متخصّصة تضم ممثلين عن الأحزاب والمجتمع المدني وخبراء في القانون الدستوري، لتضع خلال ثلاثة أشهر تصورًا شاملًا لمسودة القوانين المعدلة، بما ينسجم مع المبادئ الملكية ويؤسس لخطوات عملية لتجديد الحياة السياسية خلال المرحلة المقبلة.

وبالانتقال من الركيزة السياسية إلى المحرك الاقتصادي، يؤكد خطاب جلالة الملك على أن التنمية الاقتصادية والتجديد الوطني يسيران جنبًا إلى جنب مع الإصلاح السياسي. فالاقتصاد القوي لا يكتمل إلا ببيئة تشريعية واضحة، استثمار آمن، وفرص عمل متاحة، وهو ما يعزز قدرة الدولة على تحويل المشاريع الكبرى إلى واقع ملموس ينعكس مباشرة على مستوى المعيشة وجودة حياة المواطن.

لتحقيق هذه الرؤية، يقترح تطوير قانون الاستثمار بما يشمل تحديث الحوافز والضمانات القانونية للمستثمرين، وحماية حقوق الملكية، وتسريع تراخيص المشاريع الكبرى عبر نافذة واحدة، ما يرسخ الثقة ويحفز القطاع الخاص على الانخراط في التنمية الوطنية. كما يتطلب الأمر تفعيل قوانين الشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP) لتسريع تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبرى مع الالتزام بمبادئ الشفافية وأساليب المناقصات المحكمة. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تعديل تشريعات العمل والتدريب المهني لربط المدارس التقنية وسوق العمل، بما يضمن توفر اليد العاملة المؤهلة للمشاريع الاستثمارية الكبرى.

وفي السياق ذاته، يشدد الملك على أن التعليم والصحة هما أساس استدامة الاقتصاد الوطني. لذلك، يجب تحديث النظام التعليمي لتعزيز حوكمة وزارتي التعليم والتعليم العالي، واستقلالية الجامعات، وربط التمويل بمؤشرات الأداء ومخرجات التعلم، بالإضافة إلى تشجيع الشراكات مع القطاع الخاص وبرامج التعلم المهني. أما المنظومة الصحية، فتتطلب قوانين للضمان الصحي الشامل وتنظيم المستشفيات العامة لضمان إدارة واضحة، تمويل مستدام، ومؤشرات جودة قياسية، بما يضمن استفادة المواطن من خدمات صحية متطورة.

ولا يقل عن ذلك أهمية تحديث قطاع النقل والبنية التحتية عبر قوانين شاملة تربط النقل البري، السككي والذكي، بخطط التنمية الحضرية والبيئية، مع تشجيع الاستثمارات الخاصة لضمان سرعة تنفيذ المشاريع الكبرى. كما يبرز الدور الحاسم لـ مكافحة الفساد وتعزيز المساءلة، من خلال تشديد القوانين، حماية المبلّغين، وتعزيز الرقابة على تضارب المصالح، بما يضمن نزاهة الأداء الحكومي. وأخيرًا، لا يمكن إغفال العدالة الإجرائية والقضاء الإداري، الذي يتطلب تسريع الفصل في قضايا الخدمات العامة والعقود الحكومية، وتيسير آليات التحكيم، بما يحفظ حقوق المستثمرين ويعزز ثقة القطاع الخاص في البيئة القانونية الوطنية.

وبذلك، يشكل التحديث الاقتصادي ورؤية التجديد امتدادًا طبيعيًا للتحديث السياسي؛ إذ أن تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة يعتمد على إطار تشريعي متكامل يربط بين الإصلاح السياسي، أداء القطاع العام، وكفاءة الاستثمار، بما يحقق أثرًا ملموسًا على حياة المواطنين.

وبذلك يصبح خطاب الملك بمثابة البوصلة التي توجه التشريعات نحو مستقبل الأردن الحديث، حيث يتحقق التطوير الشامل ليس كحلم بعيد، بل كواقع ملموس تتنفسه الدولة والمواطن معًا، مؤكدة أن لكل إصلاح مسار، ولكل رؤية أداة، ولكل مواطن أثر ملموس في وطنه. وما يجعل هذه الرؤية أكثر قوة ووضوحًا هو ما عبّر عنه جلالة الملك حين قال: «الملك لا يهاب وفي ظهره أردني»؛ فالأردنيون هم القوة الحقيقية التي يستند إليها القائد، وهم الركيزة التي تجعل الإرادة الوطنية تتحول إلى أفعال ملموسة، وقرارات تشريعية وتنموية تُترجم الرؤية الملكية إلى واقع يومي، يشعر به كل مواطن في حياته.

إنها رسالة صادقة بأن المستقبل يُبنى بإرادة وطنية حقيقية، وبتعاون مؤسسات الدولة مع شعبها، وأن كل خطوة نحو الإصلاح، وكل قانون جديد، وكل مشروع تنموي، هو تأكيد حي على أن الأردن لا يعرف التردد، وأن القيادة والشعب معًا يشكلان قوة لا تُقهَر.

شريط الأخبار "النقل البري": إلزام سائقي التطبيقات الذكية بالضمان الاجتماعي قيد الدراسة (43 %) من متقاعدي الضمان تقل رواتبهم عن 300 دينار استقالة عكروش من رئاسة الجامعة الأمريكية في مأدبا غوغل تكشف أبرز مواضيع بحث الأردنيين في 2025 استعادة 100 مليون دينار سنويا عبر التحقيقات وملاحقة قضايا الفساد مراسم الاستقبال الرسمي لبوتين أمام القصر الرئاسي في نيودلهي (فيديو) حفل سحب قرعة كأس العالم 2026 اليوم أجواء لطيفة اليوم وغير مستقرة غداً وفيات الأردن اليوم الجمعة 5/12/2025 "شيطان يطاردني منذ 7 أكتوبر.. فعلت أشياء لا تغتفر": ضابط إسرائيلي في لواء غفعاتي ينتحر بعد اجتماع ديسمبر.. الفدرالي الأميركي يستعد لثمانية اجتماعات حاسمة في 2026! وزير العمل: شبهات اتجار بالبشر واستغلال منظم للعمالة المنزلية الهاربة اتفاق أردني سوري لإنعاش الأحواض الشمالية قريبا هيئة النزاهة: استعادة 100 مليون دينار سنويا عبر التحقيقات وملاحقة قضايا الفساد حماس: نتوقع حدوث محاولة اغتيال في دولة غير عربية انخفاض سعر صرف الدولار إلى ما دون 76 روبلا للمرة الأولى منذ 12 مايو 2023 آخر موعد للتقديم على المنح والقروض من "التعليم العالي" وزارة اردنية الافضل عربيا من هي ؟ العراق يتراجع عن إدراج حزب الله والحوثيين على قوائم الإرهاب Formycon وMS Pharma توقّعان اتفاقية شراكة حصرية لتسويق النظير الحيوي لدواء ® Keytruda