في الأيام القليلة الماضية، تابع الأردنيون بحيرة وذهول تصريحات صادرة عن شخصيتين سياسيتين سابقتين، كلتاهما شغلت مناصب تنفيذية وتشريعية رفيعة، تدور حول تدخلات مزعومة من جهاز المخابرات العامة في العملية الانتخابية النيابية.
فقد صرّح دولة الدكتور عبدالله النسور، رئيس الوزراء الأسبق، أن جهاز المخابرات طلب منه عدم الترشح للانتخابات، وأنه امتثل لهذا الطلب. ولم تمرّ سوى أيام قليلة، حتى خرج علينا معالي الدكتور بسام العموش، مؤكّدًا تلك الرواية، بل مضيفًا تفصيلًا أكثر خطورة بأن دولة الرئيس وعده بالدعم المالي والنجاح المضمون.
إن هذه التصريحات لا يمكن اعتبارها مجرد "فضفضات سياسية” أو محاولات لجذب الضوء الإعلامي، بل تمسّ بشكل مباشر مؤسسات الدولة الدستورية، وعلى رأسها السلطة التشريعية، وتسيء لسمعة أجهزة الدولة الأمنية، وتثير في نفوس الناس الشك والخذلان، وتضرب الثقة بمفهوم الانتخابات النزيهة وشرعية التمثيل الشعبي.
وهنا أتساءل، كمواطن أردني أولًا، وكمهتم بالشأن العام والقانون الدستوري ثانيًا:
أين سيادة القانون التي طالما تغنّت بها حكوماتنا؟
لماذا لم نسمع حتى اللحظة تصريحًا من النيابة العامة؟
هل أصبح انتقاد الأجهزة الأمنية مباحًا للبعض ومحرمًا على البعض الآخر؟
وهل لو خرج شاب بسيط أو ناشط سياسي وتحدّث بنفس الحديث، سيُعامل بنفس الصمت؟ أم ستُفتح له عشرات الملفات ويُستدعى للتحقيق فورًا؟
إن المادة 15 من قانون الجرائم الإلكترونية تنص بوضوح على تجريم نشر أخبار كاذبة أو مضللة تمسّ هيبة الدولة أو مؤسساتها، فهل ما قيل لا يندرج تحت هذا النص؟ أم أن النصوص تطبّق على الضعفاء فقط؟
الأخطر من ذلك، أن هذه التصريحات صدرت من أشخاص أقسموا اليمين أمام جلالة الملك على احترام الدستور، وصون المؤسسات، وخدمة الدولة، فهل هذا هو الوفاء بالقسم؟
نحن لا نحاكم النوايا، ولسنا بصدد إثبات صدق أو كذب ما قيل، بل نطالب بتحقيق فوري وعلني أمام الرأي العام:
فإن ثبت صحة هذه المزاعم، فهي مصيبة كبرى تستدعي المساءلة الدستورية لأعلى المستويات.
وإن ثبت عدم صحتها، فهي جريمة كاملة الأركان بحق الوطن وثقة الناس.
إن الأردن ليس دولة أفراد، ولا يدار بالتصريحات الإعلامية، بل بمؤسسات دستورية يجب أن تُحترم، وتُصان، ويُحاسب من يتجرأ على النيل منها، أيًّا كان موقعه أو تاريخه.
ختامًا، هذه ليست دعوة لتكميم الأفواه، بل نداء لحماية الحقيقة، وتكريس العدالة، وصون ما تبقى من هيبة الدولة



