في الوقت الذي يُفترض أن يكون فيه البيت مأوى للأمان، يتحوّل لدى كثير من الأردنيين إلى مصدر تهديد وخسائر، بفعل فوضى تنظيمية وقانونية تترك المواطن وحيدًا في مواجهة مقاولين وهميين، وهندسة تنفيذية غائبة، وتشريعات مترهّلة.
مواطن تائه بين النقابات والهيئات… ولا جهة رقابية موحدة
يعيش المواطن الأردني معاناة مزدوجة بين جهله بالتشريعات، وبين غياب جهة واحدة تحميه. فهو لا يدري إن كان المسؤول نقابة مقاولي الإنشاءات، هيئة المكاتب الهندسية، أم مجلس البناء الوطني. ومع هذا التخبط، تتكرّر المأساة: تشققات، انهيارات، خسائر مالية فادحة، وبيوت تنهار على أصحابها… ثم لا أحد يُحاسب.
نظام بناء مشوّه تشريعيًا… وقانون مدني عاجز عن مواكبة الواقع
الخلل لا يقف عند حدود الغش في التنفيذ، بل يتجاوز ذلك إلى غياب بنية تشريعية ناظمة وواضحة. فالقانون المدني الأردني لم يواكب التطور التاريخي لمفهوم عقد المقاولة. وما زالت التشريعات عاجزة عن التمييز بين "المقاول الأول” و”المقاول الثاني”، أو عن تعريف واضح لمعنى البناء، ومن هو المسؤول عن كل مرحلة فيه.
نحن أمام شرخ قانوني بنيوي، حيث تُوقع العقود في كثير من الحالات بأسماء وهمية، ويقوم على التنفيذ أشخاص غير مختصين، في غياب كامل للرقابة. بل إن بعض المالكين أنفسهم يباشرون البناء دون أي إشراف هندسي فعلي، وهو ما يُعد ثغرة خطيرة تُعرض الأرواح والممتلكات للخطر.
سلامة عامة مفقودة… ونظام رقابي غائب
إن ما يفاقم الأزمة هو فشل الرقابة، ليس فقط على مستوى تفتيش المشاريع، بل حتى في متابعة العقود وآليات الإشراف، ناهيك عن غياب تدريب وتأهيل فعلي للكوادر الهندسية والمهنية. أين دور البلديات؟ وأين أدوات الرقابة الوقائية؟ لماذا لا نملك قاعدة بيانات وطنية بالمقاولين المعتمدين؟ ولماذا لا يُمنع أي مشروع إلا بعد التأكد من أهلية من ينفّذه فعليًا؟
المواطن يدفع الثمن… والدولة تغيب عن حماية أحد أهم قطاعات الاستثمار
في ظل هذا الواقع، المواطن هو الحلقة الأضعف. لا يجد من يحميه من "المقاول التاجر”، ولا من يطالبه بحقه بعد أن يسكن بيتًا متصدّعًا، ويكتشف بعد أشهر أن "البناء كان غشًا منذ الأساس”.
ما يغيب عن كثير من المسؤولين، أن قطاع البناء الخاص في الأردن يُعد من أكبر قطاعات الاستثمار وأكثرها جذبًا لرؤوس الأموال، ما يجعل من حماية هذا القطاع تشريعياً ومؤسسياً واجبًا وطنيًا واقتصاديًا.
النداء الأخير: إصلاح شامل قبل الانهيار الأكبر
إذا لم يُعاد النظر فورًا في الأنظمة والتشريعات، وفي طبيعة الجهات الرقابية، وفي المفاهيم الهندسية القانونية، سنواجه مستقبلًا سلسلة كوارث إنشائية لا يمكن تداركها.
نطالب بتوحيد المرجعية، وتحديث القوانين، وتفعيل الرقابة المهنية الحقيقية، وإصدار تشريعات تميز بين أنواع المقاولات، وتُجرّم التوقيع على العقود الوهمية، وتُلزم الجهات المعنية بتأهيل فني وهندسي حقيقي، يستند إلى البناء الآمن، الأخضر، والموفر.
المواطن الأردني لا يستحق أن يُسلّم مفاتيح بيته الجديد، ويخشى كل ليلة أن يسقط عليه السقف