حراك ساحة فيصل
بقلم: د. م. مراد الكلالدة
شاركت وزوجتي في حراك شعبي من نوع آخر في وسط البلد، حيث قادني فؤادي مساء خميس إلى ساحة الملك فيصل الواقعة في مركز العاصمة عمّان. وحسبي بأن هذا الأسم معروف للعمانيين وربما يكون الإسم الرسمي الوحيد الذي لم يغيره الناس فأصبحت ببساطة "ساحة فيصل".
وأذكر عشرات المرات التي كنت أرافق فيها والدتي إلى وسط البلد حيث كنا نسكن في جبل الحسين المطل على شارع السلط والمسمى رسميا شارع الملك حسين والذي ينتهي بساحة فيصل، الذي احتضن المحكمة المهيبة بأعمدتها العالية والبنك المركزي. وقد كنا نتدرج نزولا مع شارع صلاح الدين الأيوبي وإلى يسارنا القلعة حتى نستوي عند بداية البلد وهناك تسترخي العضلات بعد عناء مقاومة الأرجل لميلان طلوع الحسين خط تسعة نسبة إلى رقم خط الرفيس بينما كان خط ثمانية يبدأ من الشابسوغ وينتهي عند مخيم الحسين.
وغالبا ما كانت ترافق أمي نساء قدمن من الطفيلة لشراء جهاز العروس من وسط البلد، وعلى قدر ما كنت أحب الوصول الى هناك، كنت اتعذب وانا أجر من متجر لآخر وأكاد أجن من طوال مدة تقليب البضاعة والمفاصلة وأبدأ بالتملل ثم النّق ومن ثم البكاء الذي سرعان ما كان يسكت بقطعة حلوى او كعك بالزعتر لحين الإنتهاء من التبضع والذي كان يطول ويطول.
لم تختلف ساحة فيصل كثيرا عن تلك الأيام وقد حافظ تجار وسط البلد عليها وصمدوا أمام مراكز القوى الجديدة التي اصبحت تنتشر كالنار في الهشيم فكان أولها دوار مكسيم في الحسين ومن ثم أنتشرت الأسواق في كل الإتجاهات لدرجة كادت عمّان أن تفقد مركزها، إلا أن وسط البلد بقي هو السيد وساحة فيصل ما زالت السيدة الأولى.
ومن حسن حظي بأن زوجتي أم يزن تطاوعني وتحب أن تعود معي إلى الجذور لا سيما أن بيت أهلها ليس ببعيد عن ساحة فيصل فهو على الدوار الأول عنوان الأصالة وفخامة المعمار، وركنا السيارة في موقف الشابسوغ ودلفنا مشيا على الأرصفة بجوار سوق الذهب وترحمنا على بائع الفستق النيجيري وكرهت منظر التحديث الذي أجراه وريثة حيث اتخذ عربة مزركشة بدلا عن تلك المعدنية ذات المدخنة التي ما غابت عن منشور سياحي لعمّان.
كيف أنسى هذه الساحة وقد نحتنا نحن المشاة بلاطها وتصورنا بجانب نافورتها وشاهدنا النجيل والأزهار في جزرها. نعم هي السيدة الأولى التي أحسنت أمانة عمّان رعايتها وقرّرت أن أفضل تحديث لها بإبقائها كما هي مع بعض اللمسات الرشيقة التي وضعها صديقنا رامي الظاهر لتعظيم قدسيتها. نعم أنت السيدة الأولى التي اجلستني في حضنها وشربنا الشاي في قهوة عفرا المطلة عليها بكل إحترام. ولم يكن انتقائي لعفرا من دون غيرها بسبب تسميتها كجارة للطفيلة مدينة الأحرار، ولكن لإناقة التصميم وحسن ضيافة عفرا، وخير دليل على النجاح إكتضاض المكان بالزوار الأجانب والاردننين، وشعرت ولو بعد فترة طويلة من التشكك بمسيرتنا، بأن أفضل ما لدينا هو ما كان ... أنه ذاكرة المكان. وبعد قضاء نحو ساعات ثلاث في حضرة "ساحة فيصل" عدنا أدراجنا مارين بساحة المسجد الحسيني الذي سيمتليء الجمعة بالآف المنادين بالإصلاح سعيا للحفاظ على ما كان.
بقلم: د. م. مراد الكلالدة
شاركت وزوجتي في حراك شعبي من نوع آخر في وسط البلد، حيث قادني فؤادي مساء خميس إلى ساحة الملك فيصل الواقعة في مركز العاصمة عمّان. وحسبي بأن هذا الأسم معروف للعمانيين وربما يكون الإسم الرسمي الوحيد الذي لم يغيره الناس فأصبحت ببساطة "ساحة فيصل".
وأذكر عشرات المرات التي كنت أرافق فيها والدتي إلى وسط البلد حيث كنا نسكن في جبل الحسين المطل على شارع السلط والمسمى رسميا شارع الملك حسين والذي ينتهي بساحة فيصل، الذي احتضن المحكمة المهيبة بأعمدتها العالية والبنك المركزي. وقد كنا نتدرج نزولا مع شارع صلاح الدين الأيوبي وإلى يسارنا القلعة حتى نستوي عند بداية البلد وهناك تسترخي العضلات بعد عناء مقاومة الأرجل لميلان طلوع الحسين خط تسعة نسبة إلى رقم خط الرفيس بينما كان خط ثمانية يبدأ من الشابسوغ وينتهي عند مخيم الحسين.
وغالبا ما كانت ترافق أمي نساء قدمن من الطفيلة لشراء جهاز العروس من وسط البلد، وعلى قدر ما كنت أحب الوصول الى هناك، كنت اتعذب وانا أجر من متجر لآخر وأكاد أجن من طوال مدة تقليب البضاعة والمفاصلة وأبدأ بالتملل ثم النّق ومن ثم البكاء الذي سرعان ما كان يسكت بقطعة حلوى او كعك بالزعتر لحين الإنتهاء من التبضع والذي كان يطول ويطول.
لم تختلف ساحة فيصل كثيرا عن تلك الأيام وقد حافظ تجار وسط البلد عليها وصمدوا أمام مراكز القوى الجديدة التي اصبحت تنتشر كالنار في الهشيم فكان أولها دوار مكسيم في الحسين ومن ثم أنتشرت الأسواق في كل الإتجاهات لدرجة كادت عمّان أن تفقد مركزها، إلا أن وسط البلد بقي هو السيد وساحة فيصل ما زالت السيدة الأولى.
ومن حسن حظي بأن زوجتي أم يزن تطاوعني وتحب أن تعود معي إلى الجذور لا سيما أن بيت أهلها ليس ببعيد عن ساحة فيصل فهو على الدوار الأول عنوان الأصالة وفخامة المعمار، وركنا السيارة في موقف الشابسوغ ودلفنا مشيا على الأرصفة بجوار سوق الذهب وترحمنا على بائع الفستق النيجيري وكرهت منظر التحديث الذي أجراه وريثة حيث اتخذ عربة مزركشة بدلا عن تلك المعدنية ذات المدخنة التي ما غابت عن منشور سياحي لعمّان.
كيف أنسى هذه الساحة وقد نحتنا نحن المشاة بلاطها وتصورنا بجانب نافورتها وشاهدنا النجيل والأزهار في جزرها. نعم هي السيدة الأولى التي أحسنت أمانة عمّان رعايتها وقرّرت أن أفضل تحديث لها بإبقائها كما هي مع بعض اللمسات الرشيقة التي وضعها صديقنا رامي الظاهر لتعظيم قدسيتها. نعم أنت السيدة الأولى التي اجلستني في حضنها وشربنا الشاي في قهوة عفرا المطلة عليها بكل إحترام. ولم يكن انتقائي لعفرا من دون غيرها بسبب تسميتها كجارة للطفيلة مدينة الأحرار، ولكن لإناقة التصميم وحسن ضيافة عفرا، وخير دليل على النجاح إكتضاض المكان بالزوار الأجانب والاردننين، وشعرت ولو بعد فترة طويلة من التشكك بمسيرتنا، بأن أفضل ما لدينا هو ما كان ... أنه ذاكرة المكان. وبعد قضاء نحو ساعات ثلاث في حضرة "ساحة فيصل" عدنا أدراجنا مارين بساحة المسجد الحسيني الذي سيمتليء الجمعة بالآف المنادين بالإصلاح سعيا للحفاظ على ما كان.