تتواصل الأزمة الإسرائيلية الداخلية في محورين يهددان مستقبل حكومة نتنياهو وبمأزق دستوري غير مسبوق يتمثلان بغضب الحريديم على عدم تشريع ما يعرف بقانون التجنيد وببدء إجراءات إقالة المستشارة القضائية للحكومة غالي بهراب ميارا.
وهددت وزيرة المواصلات ميري ريغف اليوم الإثنين، بأنه إذا ألغت المحكمة العليا إقالة المستشارة القضائية للحكومة فإن الحكومة لن تُطيع القرار. وقالت في تهديدها: "أقترح على المحكمة العليا ألا تفرط في شدّ الحبل لأنها إذا قالت لا — فسنقول نحن: كفى. المستشارة تحولت إلى لاعب سياسي، ومن الأفضل أن تفعل الصواب وتستقيل من منصبها”.
كما قالت ضمن مؤتمر "نساء الدولة” الذي نظمته صحيفة "يديعوت أحرونوت” إن الحكومة لا تثق ببهراب-ميارا. وفي إشارة لتهديدات الحرديم بتفكيك الائتلاف الحاكم يوم الأربعاء القادم قالت إن ذلك سيلحق ضررا بالمخطوفين. وزعمت في مخاطبتها المعارضة أن قانون حلّ الكنيست لن يُقرّ يوم الأربعاء، وتابعت: "ويلٌ لو حدث هذا، خاصة للمخطوفين. نحن نفعل كل شيء لإعادتهم”.
كما اعتبرت أن حلّ الكنيست سيكون "انتصاراً لأعدائنا ولحماس”، واتهمت ريغف زميلها في حزب الليكود رئيس لجنة الخارجية والأمن يولي إدلشتاين بأنه "ذهب بعيداً جداً” في موضوع قانون الإعفاء من التجنيد. يشار إلى أن ادليشتاين قد بادر لتشريع قانون يلزم الحريديم شركاءه في الحكم بالخدمة العسكرية وبرفض عقوبات اقتصادية واجتماعية على من يرفضها.
يشار أيضا إلى أن الحريديم الذين يشكلون 13% من السكان في إسرائيل يرفضون الخدمة العسكرية منذ عقود وما زالوا يرفضونها رغم اندلاع الحرب وحاجة جيش الاحتلال للمزيد من الجنود وازدياد الأعباء عليه، ووصل رفضهم حد قول بعض قادتهم إن الموت أو الهجرة من البلاد أقرب عليهم منها، زاعمين أن ما يحمي "الدولة اليهودية” هي التوراة لا القوة العسكرية. وفي ذلك قالت ريغف: "كلنا نتفهّم أن الحريديم يجب أن يخدموا في الجيش، لكن لن يتضرر عالم التوراة ولا الجيش”.
وفي المحور الثاني من الأزمة الداخلية صادقت الحكومة يوم أمس على اقتراح وزير القضاء ياريف ليفين بتغيير إجراءات عزل المستشارة القضائية للحكومة، بحيث تستطيع الحكومة تجاوز لجنة التعيينات، والدفع نحو إقالتها دون موافقة اللجنة. ويقضي المقترح البديل بأن استبدال المستشارة القضائية سيُوافق على تقدمه من قبل لجنة وزارية خاصة لهذا الغرض.
ومع انتهاء التصويت توجّه ليفين للجنة لتنسيق جلسة استماع قبل إقالة بهراب-ميارا. وتقول مصادر في محيط المستشارة القضائية لصحيفة "هآرتس” العبرية إنه من المتوقع أن تلغي المحكمة إقالتها وهذا ما تراه أوساط واسعة من المراقبين خاصة أن مبادرة الإقالة لم تراع الإجراءات البيروقراطية المعمول بها بمثل هذه الحالة.
وسبق أن حذرت بهراب-ميارا أمس من أن قرار الحكومة الدفع نحو إقالتها دون موافقة لجنة التعيينات، غير قانوني ويتناقض مع قرار المحكمة العليا. في رأي قانوني صاغه نائب المستشار القضائي، وضّح أن "عدم تمكن الحكومة من تشكيل اللجنة الاستشارية لا يبرر تغيير القواعد وخلق آلية تتيح إنهاء الولاية بشكل تعسفي وتسييس الاستشارة القانونية للحكومة”.
الامتحان يوم الأربعاء
في موضوع الحريديم نقلت الإذاعة العبرية العامة عن مصادر مقربة من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قولها إن هناك إمكانية للتوصل إلى تفاهمات مع أحزاب الحريديم، من شأنها أن تمنع انهيار الائتلاف الحكومي. كما قالت هذه المصادر إن نتنياهو يمارس ضغوطا على رئيس لجنة الخارجية والأمن، يولي أدلشتاين، من أجل إيجاد حل لأزمة فرض الخدمة العسكرية على شبان الحريديم.
وقالت صحيفة هارتس إن مصدرا مقربا من نتنياهو قد وجه انتقادات حادة لمواقف أدلشتاين إذ قال إن عناده على فرض عقوبات فورية على طلاب المدارس الدينية الذين لا يتجندون يعقّد فرص التوصل إلى اتفاق مع أحزاب الحريديم، وقد يعرّض استقرار الائتلاف للخطر.
من جهتها تواصل أحزاب الحريديم التهديد بتأييد مشروع قانون حل الكنيست، الذي تنوي المعارضة طرحه للتصويت بعد غد الأربعاء. وتشير التقديرات إلى أن المعارضة قد تسحب المشروع إذا لم تضمن الحصول على الأغلبية، وذلك لتفادي منعه من الطرح مجددًا لمدة ستة شهور وبالتالي تبدد فرصة مهمة لإسقاط الحكومة في فترة حساسة.
في المقابل يرش مسؤولون في حزب الليكود الماء البارد على التقديرات القائلة إن حكومة نتنياهو تترنح وتؤول للسقوط موضحين أن التصويت المقرر الأربعاء هو "حدث موضعي”، وأنه ما زال يتطلب ثلاث مراحل تصويت أخرى لحل الكنيست بشكل نهائي، وهو مسار قد يمتد على مدى أسابيع أو حتى أشهر. وبحسبهم، فإن هذا الوقت يتيح فرصة للتوصل إلى تسوية. ردا على ذلك قال مصدر في قيادة الحريديم لصحيفة "هآرتس” إنه حتى في حال التصويت لصالح مشروع الحل في القراءة التمهيدية، يمكن للأحزاب الحريدية معارضته لاحقاً إذا تم التوصل إلى حل لأزمة قانون فرض الخدمة العسكرية على الحريديم. وأضاف أن هناك "بارقة أمل” للتوصل إلى مثل هذا الحل.
يذكر أن نتنياهو التقى الخميس، أدلشتاين وأريئيل أطياس، الوزير السابق عن حركة شاس، لبحث الأزمة الائتلافية. وبعد اللقاء، أعلنت رئاسة الوزراء أنه تم تسجيل "تقدم ملموس”، وأن الأطراف ستبذل جهوداً لحسم القضايا العالقة. لكن مصادر في معسكر الحريديم قالت لصحيفة "معاريف” إن الخلافات لا تزال جوهرية، وإن قيادات في حزب "يهدوت هتوراه” تعارض أي تسوية تتضمن فرض عقوبات على طلاب المدارس الدينية، كما يطالب أدلشتاين.
وتقول معاريف إنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت المسائل الخلافية المتبقية ستسمح بالتوصل إلى اتفاق مقبول على الطرفين ولا يُرفض لاحقًا من قبل المحكمة العليا. وأوضحت مصادر مطلعة على الاجتماع إلى أن أدلشتاين وافق على إزالة أو تجميد بعض العقوبات، وقد يوافق أيضًا على احتساب الخدمة المدنية في الشرطة ومنظمات الإنقاذ كجزء من أهداف التجنيد، مما قد يساعد الحريديم على تحقيق الأهداف أو الاقتراب منها. إلا أن الخلاف الأساسي يتمحور حول توقيت تفعيل العقوبات في حال عدم تحقيق الأهداف: إذ يطالب الحريديم بتأجيلها لمدة عام، بينما يصرّ أدلشتاين على تفعيلها الآن وفورا.