بقبول جلالة الملك استقالة حكومة دولة السيد عون الخصاونة وبشكل مفاجئ ، يسجل جلالته موقفا آخر من مواقفه المبدئية في السعي بالبلاد إلى الأمام ، وأن الإرادة السياسية ماضية في طريق الإصلاح ، لكنّ المعوقات هذه المرة جاءت من الحكومات المتتالية ، وقد قلنا مرارا إن صاحب الجلالة كرر منذ توليه العرش مطالب التحديث والإصلاح من الحكومات المتعاقبة قبل الربيع العربي بسنوات طوال ، لكنّ الاستجابات كانت بطيئة ، وهذا ما خلق فجوة بين رؤية جلالته وتنفيذ الحكومات ، أوصلت البلد إلى حالة من عدم التوازن السياسي ، وخلّفت كثيرا من العبء على جلالة الملك ، لا نقول أن الحكومات لم تكن تعمل ، ولكن نقول أن الحكومات كانت تخلق أزمات جانبية بعيدة عن التوجه والرغبة الملكية للمضي بالأردن إلى شاطئ الأمان والاستقرار ، الذي يرتكز على العمل المنهجي والمؤسسي ، وعدم انتهاج مبدأ الاعتماد على الفردية والتخلّص من هذا النهج ، وتعزيز دور المؤسساتية ، و جعل الأردن نموذجا للديمقراطية والحرية المصانة بسيادة القانون .
الرسالة الملكية أكدّت أنّ الإصلاح لدى جلالة الملك لم يكن رغبة ، وإنما كان إستراتيجية عمل وتوجّه وإيمان راسخ بهذه العملية ، ... قبول الاستقالة بهذه السرعة أكّد للقاصي والداني أن جلالة الملك لم يكن راضيا عن سير العمل لدى الحكومة المستقيلة ، وهي رسالة أيضا للأردنيين أن عين الملك تراقب ما يجري عن كثب ، وأنّ محاولات الحكومات المتباطئة في العمل والانجاز بالسرعة المطلوبة في ظل هذه الظروف ، وقوى الشدّ العكسي لم ولن تفلح في إقناع جلالته أنها جادة باتجاه الإصلاح ، ولذلك جاء قراره بقبول استقالة الحكومة في اللحظة المناسبة ، وقراره استباقي لتأكيده أنّ الانتخابات النيابية والبلدية هذا العام مصلحة وطنية عليا .
دولة الرئيس المكلف ، شخصية سياسية معروفة بخبرتها بقدرتها على الحوار و تجاوز العقبات ، فهو مخضرم لأنه عاصر جلالة الملك الراحل رحمه الله ، وبدأ مع جلالة الملك عبد الله الثاني منذ توليه العرش ، ولذلك نحسبه أنه التقط رغبة الملك في أن مشية السلحفاة في الإصلاح تؤخّر ولا تقدم .