بداية فليعذرني بعض الشرفاء من نواب مجلس الأمة أن قسوت في نقدي على أداء الكثير من أعضائه الذين اعتلوا سدة السلطة التشريعية منذ عامين تقريبا ، حيث تلقى الشعب الأردني وعودا كبيرة فاقت الخيال من خلال الشعارات والبيانات التي تم خداع الشعب بها ، لأنها اكبر من الواقع المرير الذي نعيشه ، وقد أقسم نواب الوطن على أنفسهم أمانة كبيرة وقطعوا عهودا أمام الله والشعب بتحقيق الانجازات وتذليل الصعوبات وسن التشريعات بما يتفق ومصالح الوطن العليا ومصلحة الشعب، بالإضافة إلى إحداث نقلة نوعية في حياة المواطن الأردني بشكل عام، كما أن محاربتهم لكافة أوجه الفساد والخلل والترهل الإداري المنتشر في غالبية الوزارات ومؤسسات الدولة كان ضمن سلم أولوياتهم في بياناتهم الانتخابية ، وقد مر الأردن بظروف سياسية واقتصادية واجتماعية صعبة للغاية، ولا زلنا نعيش تلك المأساة بحلوها ومرها ، حيث كان الأمل بعد الله معقود على أعضاء مجلس النواب الذين باتوا يتسابقون في تحقيق المكتسبات الفردية والمآرب الشخصية فمن زيادة الرواتب المتعلقة بهم إلى السيارات الفارهة المعفاة من الجمارك إلى تحسين أوضاعهم الخاصة وكذلك السفر والإقامة وزيادة أجورها ،مضافا إليها الولائم والمؤتمرات والمياومات للسفريات الخارجية... الخ ، إضافة إلى ذلك فالكثير وجد كافة الأبواب مشرعة له من اجل تحقيق مصالحه وأهدافه وغاياته بالتجارة والمقاولات والبيع والشراء والاتجار بالعقارات والاستيراد والتصدير أو بناء الفلل والقصور ، وكل ذلك على حساب قوت الشعب الفقير الذي فقد كل الثقة بنوابه لان المواطن مر في محن كثيرة ومصائب عديدة هزته وأثقلته وأقعدته الفراش، فلم يجد من يقف معه ويسانده إلا ما رحم ربي . ومن يذهب إلى مكاتب نوابنا الأفاضل في مجلس الأمة لن يجد هم إلا وقت الجلسة حيث المكاتب مغلقة ولا يوجد فيها إلا الموظفين الذين يستقبلون المكالمات وبعض الدعوات والكتب الرسمية. فالحال يا سادة يا كرام مؤلم للغاية ولا يسر صديق ولا عدو، والأردن يحتاج حقيقة إلى وقفة عز وصدق وايباء من قبل رجال الأمة الذين أفرزهم الشارع الأردني حتى يكونوا سواعد قوية في بناء مؤسسات الوطن، وان يمارسوا دورهم التشريعي والرقابي على كافة أعمال مؤسسات الدولة وحتى لا نقع بالمحظور . ولنأخذ عبرة من أعضاء المجالس النيابية في كل من لبنان والكويت ومصر حيث أن النائب تجده مدافعا صادقا حقيقيا عن مصالح الوطن والشعب أولا ثم مصالح الأمة ثانيا ، هذا بالإضافة إلى أن لديه علم وثقافة واطلاع واسع وخبرات متنوعة في كافة مجالات الحياة حيث يستطيع النائب في تلك الدول أن يفشل الكثير من القرارات إذا ما كانت تضر بمصلحة الوطن والمواطن ولا يبخل على نفسه ووطنه في العطاء والمثابرة وتحقيق النجاحات المستمرة .كما أننا نجد نقاشاتهم مجدية للغاية ولها معان ودلالات وعلى كافة المستويات والصعد ولا يوجد بينهم خلافات من اجل بعض فتات الأمور أو صغائرها إلا اختلافا في المبادئ الكبيرة والمصالح العليا التي تخدم الوطن والمواطن ، لكن للأسف الشديد فإن ما حصل في مجلس نوابنا المخضرم والعتيد ولا زال يحصل من خلافات شخصية ومصالح آنية ومن بيع وشراء وتكميم للأفواه وتهديد ووعيد لأصوات الحق وصمت عن ملفات الفساد وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة جعلت منه مجلسا ضعيفا هشا فلا دورا رقابيا له ولا تشريعيا ولا حتى خدماتيا ، وخاصة أمام الضغوطات والاملاءات تارة والإغراءات المقدمة إليهم من قبل أجهزة النظام تارة أخرى ، علما بان الوطن والمواطن أحوج لنواب الأمة في هذه المرحلة الصعبة والحرجة والدقيقة والحساسة التي نمر بها، ولو تم استفتاء أفراد الشعب الأردني حول أداء مجلسكم الموقر لكانت النتيجة الفشل الذريع على كافة الصعد والمجالات. فأوضاعنا الاقتصادية في غاية الصعوبة ورواتب العاملين في كافة المؤسسات والوزارات والشركات أصبحت تتآكل يوما بعد يوم ، وارتفاع الأسعار وفرض الرسوم والضرائب فاقت كل التوقعات والبطالة حدث ولا حرج فهي في ازدياد مستمر ، وأما القوانين والأنظمة والتشريعات التي تمرر عليكم من قبل الحكومة فلا تأخذ الجزء اليسير من اهتمامكم لمناقشتها وفق المنهجية العقلانية والأصول العلمية والقانونية والمصالح العليا للوطن والمواطن، فالغالبية يوافقون على تمرير القوانين رغم عدم علمهم بآثارها السلبية أو نتائجها العكسية على شرائح المجتمع الأردني والمصالح العليا للوطن .. أما فيما يتعلق بالانقسامات والتكتلات في مجلسكم الموقر فالأمور باتت في وضع صعب والمواطن أصبح ينظر إليكم من منظور آخر خلافا للمجالس النيابية السابقة وخاصة مجلس النواب الأردني الذي افرزه الشعب عام 1989م حيث كان مجلسا قويا يمثل كافة التيارات والأحزاب والقوى السياسية والنقابية والعشائرية المتزنة ، وكانت إفرازات الشعب في تلك المرحلة سليمة ومبنية على أساس المصلحة العامة دون النظر إلى الجهوية الضيقة والمصالح الشخصية... وبعيدا ايضا عن الشعار الذي يقدسه البعض ( المهم أن يظهر اسم العشيرة في مجلس النواب ).. فلم تكن أموركم كتلك على الإطلاق ، فأصبحنا نلهث خلف السراب واللامعقول والمجهول ، وضاعت الحقيقة ما بين أدراج نواب الأمة والحكومة ولا نعرف من الخاسر الحقيقي هل هو الوطن أم المواطن... فمجلسنا الكريم يسعى لكسب المزيد من المزايا وتحسين الأوضاع، والشعب أصبح يفتقر لمرجعية واقعية شفافة أو منقذ لمشاكلهم وقضاياهم فأصبحت هناك تجاذبات وتكتلات ومصالح وتحقيق أهداف وكولسات وصراعات داخلية وتمثيل على المواطن والتغاضي عن بيع مؤسسات الوطن ، وكأن الأردن ومصالحه ومؤسساته وما يحاك ضده من مؤامرات وبيع للمقدرات ونهب للثروات لا يعنيهم بشيء ... أما من هم من كبار التجار وأصحاب الأموال في مجلسنا الموقر فهم أيضا يسعون لزيادة نفوذهم وفرض سطوتهم على المؤسسات الاقتصادية والسيادية وسن التشريعات التي تخدم مصالحهم فقط ، من اجل زيادة أموالهم وتعويض ما أنفقوه من أموال خلال حملاتهم الانتخابية وبالتالي خدمة أهدافهم ومصالحهم وعائلاتهم في العديد من مراكز الدولة ، ونذكر المواطن الأردني الكريم بمجلس الكازينو ومجلس ال 111 ومجلس إقرار قانون المالكين والمستأجرين وقانون الضمان الاجتماعي السيئ ومحاولتهم تضييق الحريات من خلال سن قوانين تقيد حرية المواقع الصحفية الإلكترونية ودفاعهم المستميت عن الباطل وإخفاء الحقائق وطي ملفات الفساد .. وأخيرا والطامة الكبرى إصرارهم على المطالبة برواتب تقاعدية مدى الحياة وجوازات سفر حمراء حتى يتميزوا عن المواطن الأردني الحر وحتى يكون أمامهم متسع من الوقت للسفر والترفيه والتجارة دون حسيب أو رقيب ... وأجزم بأنكم لستم أفضل حالا من الضباط المتقاعدين الأحرار ولا أفضل حالا من رجالات الدولة الذين افنوا زهرة شبابهم في خدمة الوطن مقابل تقاعد شهري لا يتجاوز ال 1000 دينار بأفضل الظروف والأحوال .
ومن هنا نقول لكل أولئك السادة أعضاء مجلس النواب أن الأردن لا يكبر إلا برجالاته ومؤسساته الحضارية والإصلاحات السياسية الحقيقية والعدالة والمساواة بين جميع أفراد الشعب وشفافية الحكم ومحاربة آفة الفساد وتقدمه على كافة المستويات والصعد وتكاتف وتلاحم المتنفذين والمسئولين ونواب الأمة والوزراء وكل الشرفاء للحفاظ على مصالحه العليا واستقراره ، أما التشرذم والخلافات والصراعات والكولسات وبيع وشراء الذمم وتحقيق المآرب الشخصية والتغني بالولاء الممزوج بالوصاية المؤقتة فلن يزيد الأردن إلا تراجعا إلى الوراء وبالتالي سنخسر جولات ونخسر الوطن لا سمح الله، ولا نحقق أي استقرار وطمأنينة للأجيال القادمة، ولهذا أصبح جميع المواطنين في حيرة من أمرهم وتلك الحيرة والأوضاع الصعبة مرت ولا زالت في ظل ربيع الشعوب العربية ، الأمر الذي يستوجب من نواب الأمة أنفسهم بأنفسهم بان لا يبقوا في أعلى سلطة تشريعية ورقابية بل من باب حفظ ماء الوجه ولخدمة المصالح العليا للوطن والمواطن أن يغادروا مجلسهم إلى بيوتهم وأماكن عملهم السابقة دون عودة للحياة البرلمانية لأن الشعب أصبح لا يطيق سماع أصواتهم ولا حتى ذكر أسمائهم ، هذا غيض من فيض ولا نريد الإسهاب وذكر الحقائق عن تصرفات البعض من نوابنا الأفاضل التي لا ترضي الله ولا رسوله ولكن نقول لهم حان الوقت لرحيلكم لأنكم لم تخدموا إلا أنفسكم رغم جراح الوطن وحاجة المواطن إلى الكثير من جهودكم التي تبعثرت في زمن المصالح . وأخيرا نقول لكم بأن أداءكم خلال فترة أكثر من عامين لا يليق بمكانة الأردن وسمعته ولم نشعر به كمواطنين بأنكم أديتم الرسالة والأمانة بالشكل المطلوب كما هي عهودكم ووعودكم البراقة لنا قبل ترشحكم لمجلس النواب .. لذا عليكم بمحاسبة أنفسكم وإعلان رحيلكم فورا لأن الوطن يحتاج لوقفة الرجال الرجال .
د . أكرم كريشان
E- Mail :- Kr2002or70@yahoo.com