أخبار البلد -
لقد تعودنا أيام الطفولة أن نلتقط كسرة الخبز عن الأرض... نقبلها ونلامسها الجبين ونركنها في بقعة نظيفة لتجف أو ليأكلها الطير. وظل الخبز مقدسا نحلف به ونصطف في الدور لشراءه ساخنا شهيا على الرغم من توفره بنوعين فقط المشروح والشراك واحيانا خبز الطابون.
ويرتبط الخبز بأذهان الناس بالمادة التموينية الاساسية في سلة الغذاء ولا يمكن تخيل المائدة الشرقية بدون الخبز، فالخبز للغموس وللحلفان عليه ويعبر عن التكافل والمشاركة بين الأفراد في طبق واحد بينما نرى أن الثقافة الغربية إنعزالية بحيث يتم تخصيص طبق لكل فرد وقلما يمدون أيديهم إلى طبق مشترك لا بل قد يعد ذلك نوعا من قلة الأدب.
ولقد آلمني منظر الموظف في كفتيريا أحدى الجامعات الرسمية الأردنية التي أدرّس فيها (وأحجم عن ذكر إسمها حتى لا أساق إلى محكمة أمن الدولة بتهمة تقويض نظام الحكم) الذي كان يجمع الخبز عن الطاولات مع إنتهاء فترة الغذاء ويكدسه على عربة بواقي الطعام، وقد عادت مخيلتي فورا لإجراء مقارنة بين هذا الموقف وبين وقوفي عند الصندوق في كفتيريا جامعة فينا التقنية في النمسا حيث اضافت عاملة الصندوق عشرة قروش مقابل قطعة خبز صغيره اضفتها إلى صينيتي بينما يتكدس الخبز على طاولة الجامعة لدينا بالمجان. وقد يقول البعض بأني أسرد حالة خاصة ولكني أوكد بأن هذه اللامبالاة تجاه الخبز تمارس في بيوتنا أو على الأقل في بيوت الكثير من متوسطي ومرتفعي الدخل الذين لا يسستحقون التمتع بالدعم الحكومي للخبز.
ولا ارغب في تحميل هذه الخاطرة الكثير من الأرقام ولكني ساكتفي بالقول بأن الحكومة تدعم أسعار الطحين المصنوع من القمح بمقدار 220 دينار للطن علما بأن سعره في السوق الحرة يبلغ 280 دينار للطن، ويباع كيلو الخبز بسعر 16 قرش بينما تبلغ كلفته الحقيقية 37 قرش.
وأعلم بأن مقالتي هذه ستجر علي السخط والتندر ولكني أدعو الحكومة إلى إتخاذ إجراء سريع لوضع حد للهدر الذي يمارس يوميا في المنازل والجامعات والبوادي والأرياف، وأعلن بأني لست معنيا بإيجاد حلول لحكومة عرجاء تتحاشى إتخاذ القرارات الإقتصادية وهي بذلك تنظر إلينا ونحن نغرق أكثر وأكثر، ولكني سأقترح ما يلي:
• الاستمرار في إستيراد الحكومة للطحين وبيعه للمخابز الخاصة بالسعر الحقيقي بدون دعم حكومي.
• تعويم سعر الخبز لفتح باب المنافسة بالنوع والسعر.
• دمج المؤسستين الإستهلاكيتين المدنية والعسكرية بمؤسسة واحدة تسمى "المؤسسة الإستهلاكية" وتكليفها بالتعاقد على توريد حاجتها من الخبر من القطاع الخاص على أن تدعمها الحكومة بنسبة 50% بعد جرد شهري للكميات المباعة.
وبذلك سيشتري كل مواطن حاجته من الخبز وفقا لإمكانياته وستكون المؤسسة الإستهلاكية للأردنيين فقط وتشكل خط الدفاع عن محدودي الدخل ومرجعية لتوازن الأسعار في السوق، وبذلك يشتري الوافد والضيف والمقتدر بالأسعار الحقيقية غير المدعومة. وعذرا من رفاقي في الحراك الشعبي الأردني ولكني أجتهد لوقف الغرق فسامحوني.