أبو محمود المغرم بالبطيخ حتى الادمان مصمصة للحزوز الحمراء، وفصفصة للبزور السوداء، وهو على احر من محمصة حامية، بإنتظار موسمه الصيفي ،لممارسة هوايته الاثيرة، بشراء البطيخ المعروض في المعرشات التي تحتل الارصفة والتقاطعات، معتمداً على حظه التعيس تارةً وغالباً على شطارة السكين وفهلوة البائع لضمان جودتها.
يبدو إن مزاج ابو محمود اصبح بطيخياً، فمع إطلالة اول بطيخة وتذوقه لها، يصعب معرفة مابداخله كالبطيخ تماماً، وهذا العرض المرضي يمر فيه كل سنة مع حلول موسم البطيخ فتراه يبدو هادئ الاعصاب بعد تعاطي العضة الاولى، من بطيخة حمراء حلوة تسر الناظرين، ولكنه ينفجر كالبركان إذا كانت البطيخة قرعاء، تفتقر الى الحلاوة عند التذوق والجاذبية بعد الطبطبة واللحمسة عليها.
في الموسم البطيخي يتجنب ابو محمود فصفصة السياسة، أو تشريح الحكومة على صينية بموس النقد، ويفضل الحديث عن مزاياه وفوائده البطيخ. فيما يحاول جاهداً الابتعاد عني حتى لا اسحبه للحديث مكرهاً والزحلطة على الاوضاع السياسية ومتاعبها. لكنني ذات مرة لم استطع ضبط مشاعري من دون استفزازه، فقد بدأت بجرجرته للحديث عن انجازات الحكومة بعد نصف عام على تشكيلها.
جحرني بعينيه اللتين تبرقان بالغضب، وطلب من حرمه المصون "ام محمود" إحضار بطيخه ووضعها إمامي، وطلب مني إن ابدأ بتقطيعها. أبديت دهشتي لانني ضيفه، فأحس بدهشتي واستغرابي، فاستدرك معللا انه يريد إن يعرف طريقة تعاملي مع البطيخ، وحظي مع هذه الكرة الخضراء المسحورة المقفلة .فقلت له هذا مبتسماً: إن بطيخ أول الموسم ليس بمقدورك معرفته مهما أُوتيت من خبرة ومهارة، وعلى الأغلب ستكون "البطيخة قرعه" ، فهز رأسه ورد "مش البطيخة القرعة"، حظك الأقرع .الست مواطناً أردنيا كباقي الشعب تركض وراء حظك ،وترتضى بقسمتك، وتؤمن بقدرك، ألست منذ إن ولدت وأنت تجرب المجرب، وتصفق للحكومة القادمة وترميها بحجر إذا ما غادرت الدوار الرابع؟!. مع معرفتك المسبقة إن نفس الوجوه،سيستحضرها النظام من ثلاجته،مثل الزوجة التي تستحضر طبختها المجمدة من الفريزر حين الحاجة. عن أي انجازات حكومية تتحدث ياهذا؟!. ماذا سيكون جديدها وهي تكرار لما سبقها من حكومات ونسخة مكرورة عقلاً وسياسة ونهجا وسلوكا عما سبقها؟!. هل ستحدثني عن انجازات تعيين الأقارب والمحاسيب ام عن اعتقالات نشطاء الساسة والإعلاميين، أم عن مشاريع القوانين التي تفصل على مقاس محاسيبها، ام عن دعوات الطعام الباهظة، وإلتقاط الصور التذكارية مع الاطباق الشهية التي يسيل لها لعاب الفقراء الذين يتجاوزون الـ 70% من الشعب الاردني أم عن الزيارات البرتوكوليه لوسط البلد والوقوف عند نفس الكشك من باب الاعلان عن الذات حتى اصبحت عادة مذمومة . ام عن التغني بالولاية العامه التي لم تمنع الاجهزه الامنيه من الامعان في التغول على المواطنيين اكثر من ذي قبل؟!. ام عن محاربة الفساد الذي انتهى نهاية مفجعة بتبرئة عتاولة الفساد واغلاق ملفاتهم الكريهة التي سيعاود الشعب اعادة فتحها ـ ان شاء الله ـ في ظل حكومة شعبية برلمانية منتخبة.
أحس ابو محمود بالتعب، وشعرت انه كلما أطال الحديث،فإنه يوشك ان ينفجر قهرا وحزنا على مايجري في العلن ومايدور في الخفاء. أصابني الخوف ان يحدث له مكروهاً وخفت على نفسي ايضاً من انفعالاته الحادة،وخاصة حين اخذ يتخيل انني رئيس الوزراء او احد الوزراء ويداه ترتجفن بينما عينيه على كوب الماء.الاسوأ انه اخذ يخلط في احاديثه بين الحكومة والبطيخ، وكأنه يهذي، فحاولت لفت نظره لما يتحدث به ولكنه لم يقتنع ولم يفرق بينهما وأصر إن فوائد البطيخ أكثر من فوائد الحكومة وخاصة اذا كانت البطيخة على السكين و طازجة وإستنبتت في مزرعة يقوم عليها مهندسون زراعيون من ذوي الاختصاص في تربة طيبة،بعيدة عن مجاري الانهار القذرة ومحطات التنقية المسمومة، فهي تطفيء الظمأ،وتنعش الجسد، وتدر البول، وليست كالحكومات التي تأتي بمرسوم من ثلاجة النظام السياسية،وتكون بلا طعم ولا رائحة وسيئة المذاق.
يونس الطيطي