شهدت البلاد أحداثا وتطورات متسارعة على مدار الأيام الماضية تطرح تساؤلات عديدة حول سيناريوهات قادمة ستشهدها البلاد ،أحداث تتداخل وتتمازج ولا يعرف أسبابها ، بدأتها صحيفة هآرتس الصهيونية قبل أيام بالقول ان الأردن سيصبح الوطن البديل ، وان الملك عبد الله يحارب حربا خاسرة بسبب وجود موجة سكانية ربما لا يُستطاع ردها في إشارة إلى هجرات قسرية قد تأتي من فلسطين او سوريا ولبنان ، أو حتى من قبل من سيستفيدون من التعديلات التي طرأت مؤخرا على قرار فك الارتباط مع الضفة الذي يخضع كل عام أو عامين لتفسيرات وتداخلات جراحية ، تارة بإبطاء التنفيذ وتارة بتجميد تلك التعليمات حسبما تعكسه الظروف بإعتبارها تعليمات غير محمية بقانون أو دستور .
،ويبدو أن توالي زيارات أصحاب السمو الى فلسطين يُعد تطورا ذات مغزى لا نعرف أسبابه ، إذ سبق لولي العهد الأمير حسين بن عبدالله أن زار القدس سرا خلال الشهر الماضي بصحبة الأمير علي بن الحسين بالرغم من نفي الأردن وتأكيد إسرائيل ، وكذلك شهدت الأيام الماضية زيارة الأمير هاشم بن الحسين الى إسرائيل ، وتبعها زيارات لعدد من الأمراء أبرزهم الأمير غازي بن محمد ،.
ويمكن للمواطن العادي أن يتسائل عن أسباب ومواقيت تلك الزيارات " الدينية " حسب ما نشر ، والتي تؤكدها إسرائيل وتنفيها حكوماتنا وخاصة منها ما يتعلق بزيارة ولي العهد الأمير حسين بن عبدالله الذي أقسم وللمرة الأولى منذ توليه ولاية العهد عام 2009 قسم العهد كنائب للملك طيلة فترة غيابه عن البلاد والذي " تسلمها " من الأمير فيصل بن الحسين مباشرة دون حضور الملك ، في صورة مفاجئة تحدث لأول مرة في البلاد ، كما أعادت وزارة الداخلية إصدار تعليمات جديدة لقرار فك العلاقة القانونية والإدارية مع الضفة بشروط " مخففة " تزيل العديد من ضوابط حصول ألمواطنين الفلسطينيين على الجنسية الأردنية وإعادة الأرقام الوطنية والجنسية لمن سحبت منهم بعد زيارة رسمية لوزير الداخلية محمد الرعود بعد عودته مباشرة من فلسطين
، في وقت كانت الحكومات ترفض قوننة قرار فك الارتباط أو تضيفه إلى تعليمات منح الجنسية ، وذلك بهدف التلاعب والتغيير وفقا للتطورات والإملاءات الخارجية التي وجدت في ظروف البلاد وما تتعرض له من أزمات اقتصادية فرصتها المناسبة لتعديل قوانين البلاد حيال منح أبناء فلسطين للجنسية الأردنية وتسهيل تفريغ الأرض من أصحابها الشرعيين ، وهناك حديث عن نية الحكومة سحب قانون الانتخاب من مجلس النواب استجابة لتطورات جارية على الأرض ، وليس استجابة لرفض الجماعة الإسلامية وبعض القوى لمشروع القانون ، فهل غاب عن ديوان التشريع " وأباطرة " القانون وحكومة يقودها مشرّع كبير أن يستمزجوا التفسير العالي للدستور قبل إرسال المشروع الى المجلس ، أم أن في الأمر مسألة أخرى لاعلاقة لها بالتفسير الدستوري !
كنا نشكك فيما كان يذهب البعض إليه من أن تفكيك مؤسسات الوطن وهجمة " قطعان " الفساد نحو مؤسساتنا وتخريبها وخصخصتها كانت تمهد للوطن البديل ، وكنا ندّعي أن ما يذهبون إليه ماهو إلا تشكيك في نوايا النظام واتهامه بالتوافق مع المشروع الأمريكي في المنطقة ، ولكن يبدو أن ما كنا نخشاه قد يحدث وبتسارع كبير ، وأن البلاد قادمة على مرحلة خطيرة وتطورات هامه عنوانها الوطن البديل ، هيأت لها ظروف البلاد الاقتصادية الصعبة وتفكيك مؤسسات الدولة وبيع ثرواتها ، وكذلك نجاح ممن نسميهم بأصحاب الحقوق المنقوصة في تحقيق أجندتهم السياسية التي تعمل على جعل الأردن وطننا بديلا للفلسطينيين بعد أن أضعفوا البلاد كثيرا وحالوا دون قوننة قرار فك الارتباط ودسترته ، وبتناغم سياسي مع جماعة الأخوان المسلمين في رفض فكرة قوننة قرار فك الارتباط واعتباره " خطيئة سياسية " ، ولكن لكل منهم أسبابه ، فأصحاب الحقوق المنقوصة وأتباع المنهج والمخطط الأمريكي يرون فيه مصلحة لإسرائيل وفلسطين ، فيما يرى الأخوان المسلمين أن قرار فك الارتباط غير شرعي ولا يراعي مصالح الشعب الفلسطيني ومساندته في نضاله حسب إدعائهم أي أن مصالح الشعب الأردني والبلاد ليست ذات أولوية بالنسبة إليهما طالما أن الأردن أرض " رباط وحشد " يلتقي فيها المسلمون شرق النهر لحرب إسرائيل !!! ، وبالرغم من أنهم عملوا على فك ارتباط الإخوان المسلمين الأردنيين عن الفلسطينيين تمشيا مع قرار فك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية او نتيجة ضغوط واجهتها تلك الحركة ، فلا زالوا يمانعون من فك علاقة الأردن مع الضفة ..
إن أبرز ما جرى خلال الأيام الماضية هي رغبة النظام بتفعيل دور ولاية العهد من خلال تولي الأمير حسين بن علي مؤخرا موقعه كنائب للملك طيلة فترة غياب والده ، وأن يبدأ "مبكرا " وبسبب ظروف البلاد وبسبب الحالة " المزاجية " غير الهادئة للناس ، بممارسة دورا تنفيذيا مساعدا يساهم بتجسير الهوة ما بين الشعب والنظام ، وهو أمر فشل كثير من أبناء العائلة والحكومات بتحقيقه ، ومن هنا ، ، فأن المطلوب هو تفعيل دور ولاية العهد لصالح الناس ومطالبهم والتقرب منهم قدر المستطاع ، وان تعمل هذه الولاية على تفكيك مراكز القوى " الفاسدة " التي تأسست منذ أكثر من عقد من قبل مقربين من القصر لم يخدموا النظام بالقدر المطلوب ، بل ضاعفوا من تحدياه ووسعوا الفجوات والهوة بينه وبين الناس ، لما قاموا به من فساد ودمار لبنية البلاد الاقتصادية والاجتماعية ! وأن تكون تلك الولاية مؤسسة وطنية راقية عمادها الإنفتاح والحوار والتقبل والمكاشفة ، وأن تكون هي الأقرب للناس من ولاية عهد سابقة امتازت ب " نخبويتها " وبعدها عن الناس ومعاناتهم ، وضرورة الاستماع والبحث عن الحقيقة فيما آلت إليه الحال بعيدا عن " كلام الغزل والمدح بحال البلاد الذي تتفنن به مجموعات وأفراد كانوا يشكلون تيارا عكسيا مضادا لآمال الناس وأحلامهم بالخلاص من الأوضاع الصعبة التي نجحوا بإخفائها عن النظام ، حتى تعاظمت ومن ثم تفجرت على شكل هبات وحراك لم يهدأ منذ سنين وشكلت للنظام الجديد في عهد الملك عبدالله تحديا وأزمة لازلنا وسنبقى نعاني أثارها لسنين قادمة ، وأن يتم تغيير الطاقم السياسي من مستشارين و" خبراء ومعاونين واستبدالهم بطواقم وطنية جريئة منحازة للوطن لا تخشى في الله والوطن قول الحقيقة ، وأن يبقى الأمير منتصبا على مسافة واحدة دون مواربة لجهة أو طبقة أو فئة دون غيرها ، لأن الناس قد ملت تلك الإصطفافات والنُخب التي كادت أن تفجر بين الناس أزمة الثقة مع النظام من جهة ، وتزعزع أواصر وحدتنا الوطنية من جهة أخرى