كتب عبدالرحمن خلدون شديفات
في فصل جديد من فصول الكوميديا السياسية، أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بياناً هو أشبه بلوحة سريالية تجتمع فيها المتناقضات في تناغم عجيب. البيان، الذي كان يفترض به أن يوضح موقف الجماعة من اتهامات طالت بعض "الأفراد" (يا للغرابة!) بارتكاب أفعال منسوبة للجماعة، انتهى به المطاف إلى زيادة الطين بلة، وتحويل الموقف إلى نكتة سمجة.
البيان، وبكل "ثقة" و"وضوح"، أقرّ بصلة المتهمين بالجماعة، وكأنهم يقولون: "نعم، نعرفهم، ربما تربطنا بهم علاقة قرابة بعيدة، أو ربما كانوا يرتادون مقاهي الحي نفسه الذي نتواجد فيه!"، لكن المفاجأة الكبرى كانت في الشطر الثاني من البيان، حيث أعلن بـ"حزم" أن هذه الأفعال "فردية" بحتة، ولا تمثل الجماعة بأي شكل من الأشكال. وكأن الجماعة تتحول فجأة إلى جمعية خيرية عشوائية لا تعرف من ينتسب إليها، ولا تتحمل مسؤولية تصرفات "أفرادها" الكرام.
الأكثر إثارة للدهشة هو "التبرير" العبقري الذي قدمه البيان، حيث زعم أن هذه الأفعال، التي لم يتم تحديد ماهيتها بالضبط (وهذا جزء من الكوميديا أيضاً، الغموض سيد الموقف!)، هي "تأييد للمقاومة". يا له من تبرير "مقنع"! وكأن دعم المقاومة يتم عبر أفعال "فردية" غامضة لا علاقة للجماعة بها، وكأن المقاومة أصبحت فجأة مشروعاً فردياً، أو هواية يمارسها الأعضاء في أوقات فراغهم دون علم القيادة الرشيدة.
لا يسعنا هنا إلا أن نتساءل: هل يعتقد الإخوان المسلمون أننا نعيش في عالم موازٍ حيث المنطق مقلوب، والتناقض هو القاعدة؟ هل يظنون أننا سنصدق أن "أفرادهم" هؤلاء هم كائنات فضائية هبطت فجأة على كوكب الأرض، وانضمت للجماعة دون أن تخضع لأي توجيه أو رقابة؟ أم أنهم ببساطة يراهنون على ذاكرة السمكة الذهبية لدى الجمهور، متوقعين أننا سننسى هذا البيان المتناقض بعد خمس دقائق؟
البيان الإخواني هذا يذكرنا بتلك النكتة القديمة عن الرجل الذي يعترف بجريمته ثم يدعي أنه لم يكن موجوداً في مسرح الجريمة. إنه بيان يجمع بين الاعتراف والإنكار في مزيج عجيب، وكأنه يقول: "نعم، هؤلاء منا، ولكننا لسنا مسؤولين عنهم، إلا إذا نجحوا، فحينها سنعيد النظر في الأمر!".
باختصار، بيان الإخوان المسلمين الأخير ليس مجرد تناقض، بل هو عرض هزلي بامتياز، يكشف عن حالة الارتباك والتخبط التي تعيشها الجماعة. يبدو أنهم قرروا اعتماد استراتيجية "رأس الحربة" و "ذيل النعامة" في آن واحد: رأس الحربة ينسب إليهم الفضل في أي نجاح (حتى لو كان وهمياً)، وذيل النعامة يدفن في الرمال عند أي فشل أو اتهام.
نحن في "الساخر اللاذع" ننتظر بفارغ الصبر البيان القادم، متوقعين المزيد من الفصول الكوميدية في هذه المسرحية السياسية العبثية. فبعد هذا البيان "العبقري"، لم يعد مستبعداً أن يصدر بيان آخر ينفي وجود جماعة الإخوان المسلمين أصلاً، ويؤكد أن كل ما يحدث هو مجرد "أعمال فردية" لـ"أفراد" غير موجودين!