أخبار البلد -
ورد في المواقع الإلكترونية هذا اليوم خبرا مفاده إبرام صفقة بين جبهة العمل الإسلامي وما يعرف بالناشط الحراكيّ جمال الطاهات حول تقديمه خدمات استشارية مقابل مبالغ نقدية لتحريك الشارع.
وبصرف النظر عن مدى مصداقية هذا الخبر، فإنه يستثير في الذهن تصورات وتخيلات لما سيكون عليه الحراك في قادم الأيام. فقد، وربما، يقتبس الحراك شيئا من مفاهيم الخصخصة كاللجوء إلى مستشار ضليع ذي شأن وخبرة يزوّد هذا الحراك أو ذاك بما فُتح عليه مقابل حفنة من المال. وسيتنامى أعداد هؤلاء المستشارين بسبب تنامي وتكاثر مسميات الحراك في الأردن؛ فقد يلجأ الحراك المدعو بحراك 17 جمادى الآخرة مثلا إلى الاستعانة بخبير حراكيّ يزوده بأقذع الهتافات لفظا تأثيرا في الشارع، في حين يستشير حراك 13 ربيع أول حول ارتفاع السقف الذي ينوون هدمه وردمه، أما حراك 19 أغسطس فقد بيّت النّيّة على استبدال بيارقه وراياته وشرايطه بأخرى ذات أثر ملموس بلونها وخطوطها الحمراء. على حين ما زال حراك 22 نوفمبر يراوح مكانه في مستوى منسوب البيانات التي سيطرحها لاحقا، بعد أن عفا الزمن والأحداث على تلك البيانات النمطية التقليدية؛ كثرت الأسماء وانحرف المسير.
أما السّمة الثانية لخصخصة الحراك فهي الاختيار الأمثل للتوقيت والمكان والمسمى؛ وهنا يكون للمستشار دور فاعل وذو جدوى. أما التوقيت فهناك إجماع خفي عليه، فالمسيرات مثلا يناسبها يوم الجمعة تحديدا، وذلك ليقوم مصورا الجزيرة والعربية مثلا بالتقاط صور المسيرة الحاشدة التي تضمّ المصلين العائدين إلى بيوتهم والمتسوقين وعابري السبيل والفضوليين والباعة المتجولين. مع التركيز على الصف الأول من الذين تشابكت أياديهم، في حين يستغل أحدهم فرصة توجيه الكاميرا ليقوم بالتشبير والتفتير والتلويح والتشويح. أما المكان ففيه نظر؛ فدوار الداخلية بموقعه الاستراتيجي يختلف عن طبربور أو أبو نصير. والانطلاق من المسجد الحسيني في وسط البلد يختلف عن الانطلاق من المساجد الأخرى من حيث الزخم العددي. وبالنسبة إلى اختيارالأرقام والأعداد وأسماء الأشهر فلها شأن وبعد نظر في عيون هؤلاء المستشارين.
في حين تتمثل السمة الثالثة في أن هذه الحراكات قد تلمّ الشامي على المغربي، وقد يرى المستشار ضرورة ائتلاف حزب عقائدي مع حزب عقائدي آخر مختلفين في العقيدة والمنهج. وقد يكون هناك حزب مهيمن بعدده وتنظيمه، وأحزاب وتنظيمات صغرى تبتعد يوما وتدنو يوما آخر من الحزب المهيمن هذا. إضافة إلى حسن توزيع الحراك في مشارق الأردن ومغاربه؛ حيث نجد شخوص الأحزاب والحراكات تستثير همم المواطنين؛ فإن رأيت أحدهم صباحا في إربد ستجده مساء في الطفيلة. ولا مانع هنا من الاستعانة بخبرات ثوار مصراتة والزنتان وميدان التحرير وشارع الهرم. مع الأخذ بالحسبان الخبرات المتواضعة لتنسيقيات بابا عمرو وإدلب.
ولكن، هناك حراك خطير جدا جدا؛ إنّه حراكٌ لا حراكَ له، إنه حراك متجذّر في الأردن منذ عشرات السنين، إنه حراك كالجراد التهم الأخضر واليابس، هو حراك نشط لا يعرف للنوم طعما، حراك شديد الحرص على أن لا يصدر عنه ضوضاء ولا هرج، كأفعى التبن؛ كلاهما يتصف بالمكر والخديعة، وكلاهما ذو لدغة قاتلة، وكلاهما يختبئ عن أعين الآخرين حتى تحين فرصة انقضاضه؛ إنّه حراك أبناء آوى؛ إنه حراك السماسرة واللصوص الذين ما زالوا بين أظهرنا.