مخطئ من يظن أن المجتمع الإسرائيلي منقسم بين يمين ويسار أو أن هناك تباينات جذرية تفرقه حول القضايا الكبرى، لا سيما ما يتعلق بالعرب والمسلمين. فالصهاينة، على اختلاف توجهاتهم السياسية، متحدون في عدائهم الصريح للعرب والمسلمين، مجسدين بذلك عقيدة عنصرية متأصلة تظهر بوضوح في كل مناسبة رياضية أو سياسية أو اجتماعية تجمعهم.
الحدث الأخير في هولندا يعيد تسليط الضوء على حقيقة هذا العداء، إذ شهدت العاصمة أمستردام أعمال شغب من مشجعي نادي «مكابي تل أبيب» الإسرائيلي قبل وأثناء وبعد مباراة فريقهم مع نادٍ هولندي.
ليس غريباً أن يثير هؤلاء المشجعون العنصريون غضب الجماهير الهولندية بممارساتهم المستفزة، حيث رفضوا الوقوف دقيقة صمت حداداً على ضحايا فيضانات فالنسيا في إسبانيا، في تصرف ينم عن استهانة بأرواح الآخرين ومشاعرهم. بل إنهم، بدلاً من الصمت، أشعلوا الألعاب النارية متحدين بقية الجماهير الصامتة، وكأنهم يسعون بشكل متعمد لإثارة الاستياء وزرع التوتر.
القصة لا تتوقف عند هذا الحد، بل تطورت إلى مسيرات نظمها مشجعو مكابي، تضمنت شعارات عنصرية ونابية ضد العرب والمسلمين، منها ترديد عبارات تتغنى بأفعال جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق العرب وأطفال غزة. بالإضافة إلى ذلك، قام هؤلاء المشجعون بانتزاع الأعلام الفلسطينية التي وضعها مواطنون هولنديون منذ أشهر دعماً للقضية الفلسطينية، في إشارة رمزية لاستفزاز مشاعر الهولنديين المؤيدين للحق الفلسطيني وللعرب والمسلمين بشكل عام.
بالرغم من كل هذه العنصرية الصريحة، لا تزال الأنظمة السياسية الغربية وعلى رأسها هولندا تتجاهل الحقائق، بل وتدافع عن إسرائيل تحت غطاء «الدفاع عن السامية». رئيس وزراء هولندا، ديك سخوف، لم يرَ في شعارات مشجعي مكابي ما يستدعي الإدانة، وبدلاً من ذلك، عبر عن «صدمته» من الهجمات التي اعتبرها «معادية للسامية» ضد مشجعين إسرائيليين، متجاهلاً تماماً استفزازاتهم العنصرية وكأن هذه الفئة من المجتمع الهولندي لا تستحق الاحترام.
هذا التحيز الغربي لإسرائيل ليس جديداً، بل يمتد إلى الولايات المتحدة حيث لم يتأخر الرئيس الأميركي المنتهية ولايته في التنديد بما أسماه «الهجمات المعادية للسامية» في أمستردام، محذراً من عودة الاضطهاد ضد اليهود في أوروبا. تجاهل كامل ومتعمد للعنصرية التي مارسها الإسرائيليون، والنفاق واضح في إصرار الغرب على قلب الحقائق وتحويل الجلاد إلى ضحية، غير آبه بما يتركه هذا الموقف من أثر على حياة ومشاعر العرب والمسلمين المقيمين في هذه الدول.
ما يحدث من عنصرية ممنهجة من قبل إسرائيل ومؤيديها في الغرب يجب أن يدفع العرب والمسلمين إلى إعادة النظر في علاقاتهم مع هذه الدول. فالنفاق الغربي تجاه القضية الفلسطينية، والتساهل مع الممارسات العنصرية الإسرائيلية، والتغاضي عن الانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني، كلها تشير إلى أن هذا الدعم ليس فقط تجاهلاً للحقوق العربية، بل هو انحياز متعمد للنظام العنصري الإسرائيلي، واعتداء على مبادئ العدالة والكرامة الإنسانية.
ختاماً، ما يجب أن يفهمه الجميع هو أن هذه الحوادث ليست فردية أو عشوائية، بل هي جزء من سياسة أكبر تسعى إسرائيل إلى ترسيخها، بمباركة من داعميها في الغرب. علينا نحن، كعرب ومسلمين، أن نستوعب الدرس وأن نعمل على تعزيز وحدتنا وتكثيف جهودنا للدفاع عن حقوقنا ومواقفنا، ليس فقط في المحافل الدولية، بل أيضاً في المجتمعات الغربية التي لا تزال تتغاضى عن عنصرية إسرائيل وتدعمها بلا شروط.