يتصاعد الحديث في الأعوام الأخيرة عن تزايد احتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة، ومع كل حدث أو تطور جديد في العالم منذ الحرب الروسية الأوكرانية، تظهر المخاوف مجددا من تكرار سيناريوهات سبق للعالم رؤيتها في الماضي حين تطور أثر الفراشة من عملية اغتيال إلى حرب عالمية قتلت نحو 17 مليون شخص في أربعة أعوام ونصف، وأخرى ثانية قتلت حوالي الضعف.
قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجتياح الأراضي الأوكرانية في 24 فبراير/شباط 2022، بعد حوالي عقد من هجومه على جزيرة القرم وضمها إلى الأراضي الروسية، ولم يتمكن بعد عامين ونصف من الحرب من الوصول إلى العاصمة كييف، بعد انحصار المعارك عند المدن الحدودية في شرق أوكرانيا أمام تحالف غربي واسع لمد كييف بالدعم العسكري واللوجستي.
وتتصارع الولايات المتحدة والصين على تايوان في شرق الكرة الأرضية، فيما يبدو أن الدولة الصغيرة ليست سوى "مسمار جحا" لتبرير حرب النفوذ المتصاعدة بين البلدين على جميع المستويات.
تستمر إسرائيل في حربها على قطاع غزة منذ أكثر من عام، وبينما يتصدر القطاع العناوين، فإن الحرب على الأرض آخذة في التوسع، وقد بدأت بالفعل في لبنان ومن حين لآخر في سوريا، مع تصاعد التهديدات والمواجهات الجوية بين إيران وإسرائيل على مبدأ "اقرص واهرب".
في ظل هذه الأجواء، حاورت الجزيرة نت المؤرخ التركي خليل بركتاي، حول طريقة استقراء التاريخ والاستفادة من أحداثه في توقع الأحداث القادمة والاستعداد لها أو محاولة تجنبها، مع التعريج على رأيه كمؤرخ حول الأحداث الجارية في الشرق الأوسط وأوكرانيا وتايوان.
خليل بركتاي مؤرخ تركي وبروفيسور فخري بجامعة ابن خلدون في إسطنبول، وكان قبلها في جامعات سابانجي التركية وهارفرد وميشيغان الأميركية بعد تخرجه من جامعة ييل الأميركية وحصوله على درجة الماجستير في الاقتصاد، ثم على الدكتوراه في التاريخ من جامعة برمنغهام في بريطانيا عام 1991، ولديه 6 مؤلفات والعديد من الأوراق البحثية التي تهتم بالتاريخ العثماني والثورات والاستيلاء العسكري والتكاليف البشرية للحداثة والدولة القومية، فإلى الحوار.
لا يمكننا ويمكننا، نفي مبدئي ثم بعض الاستثناءات، وهذا الموضوع لديه تاريخ من النقاش الفكري حوله، فالمؤرخون، أو لنقل فلاسفة التاريخ، كانوا يعتقدون أن بإمكانهم تعميم أحداث التاريخ لاستشراف المستقبل بطريقة ظنوا أنها صلبة وحتمية.
كانت هناك فلسفة قائمة على قراءة التاريخ والتمعن في أحداثه، ثم استنتاج خلاصات عامة ترسم في شكل أسباب ونتائج، ومن بعد ذلك تطويرها إلى مرتبة "قوانين التاريخ" أو "قوانين التطور البشري"، وبطبيعة الحال أكبر مثال على هذه الفلسفة هي قراءة ماركس للتاريخ، لكن ماذا حدث للماركسية اليوم؟ لقد كانت أفضل من اتبع هذه المنهجية.
نظر كارل ماركس وزميله فريدريك إنجلز إلى ما قبل التاريخ والعصور القديمة والعصور الوسطى ثم الثورة الفرنسية مرورا بالصناعية الرأسمالية التي كانا يعيشان في حقبتها، ورسما الطريقة التي يتحرك بها التاريخ والاتجاه الذي يسلكه، بناء على ما اعتبروه "قوانين تطور التاريخ".
ما حدث في الحقيقة هو أن نظريتهما لم تكن ثابتة ولا علمية، فالثورات، أو الثورات المناهضة للرأسمالية بالأخص، لم تندلع في كل مكان، وفي ذروة انتشار ما يسمى الكتلة الاشتراكية بعد الحرب العالمية الثانية، كان هناك 17 أو 18 دولة اشتراكية، انخفضت إلى 4 أو 5 دول تعرّف نفسها كدول شيوعية تعيش تحت دكتاتورية الحزب الواحد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1990.
لذلك توجد شكوك خطيرة تحوم حول المقولة التي تعتقد أن البشرية تسير دون انحراف نحو اتجاه معين، وقد دحضت تجريبيا، واعترض على منهجيتها علماء أنثروبولوجيا بارزون، بل اتفقوا -إلى جانب علماء الاجتماع التاريخي- إلى حد كبير على المقولة الموجزة التي قدمها إرنست غيلنر بأن البشر حيوانات غير مبرمجة، بمعنى أن ردة فعلهم لن تكون موحدة تجاه تحدٍّ معين.