أخبار البلد -
كان والدي رحمه الله كلّما شعر أو لمس ظُلماً صارخاً، وإعطاء الحق للظّالم على حساب المظلوم وإبدال الأسود إلى أبيض والأبيض إلى أسود؛ يُطلق (تغريدته) المعهودة في حسابه على فقر : (مِنْهُم لله) بفتح اللام الأولى في لفظ الجلالة – الله – وتضخيمها... .
في يوم سألته عن تكراره بين الفينة والأخرى لهذه العبارة، وماذا يقصد بها أو يخفي وراءَها... .
بعد ابتسامه عريضة...؛ عدّل جِلسته وقالي لي:
حدثت علاقة سريّة غير شرعيّة بين رجل وامرأة...، وتطوّرت هذه العلاقة لدرجة أنّها أضحت على لسان الصّغير والكبير بعد أن فاحت و (طلعت ريحتهم)... .
وفي إحدى اللقاءات الغراميّة بينهما...؛ نظر وإذا بها تبكي بكاءً حارّاً، وأحسّ بحرقته من شدّة ظلم صاحبته على وجنتيه من أثر العناق... .
فقال لها: ما يبكيكِ عسى خيراً؟
قالت غير مُصدّقه ومستهجنه: لا أقول لك إلّا أنّ النّاس يظلمونني ويسبونني فيك... .
قال بحرقة وبنبرة المظلوم البريء العابد المتعبّد ورافعاً يديه إلى السّماء يدعو وكأنّه غير متلبّسٌ الآن: منهم لَله... (ثمّ أكملوا ليلتهم الحمراء كسابقاتها بعد أن أقنعوا أنفسهم وواسوها بالشّرف والطّهارة والعفّة...)!!
والدي (رحمك الله): كانت السُّمعة في زمانكم لا تحتاج لقانونٍ لمراقبتها وإيجادها والمحافظة عليها لأنّ مجتمعكم هو القانون بعينه وحسابه هو الأشدّ والأنجع...، وأثره أبلغ من كلّ عقابٍ أو جزاء...!
أمّا في زماننا...؛ فالسّمعة هي: اعمل ما بدا لك فقط ما دمت تبعد عن حُرمة المواطن عفواً عين الشّارع مترين، ومترين ونصف احتياطاً لمن ليس معه (كركر) يقيس فيه المسافة، وبخاصة على طريق المطار، أو على المُسمّى باسم كلّ أردنيّ – شارع الأردن - أو في كلّ مكانٍ إن أردت...، أي السّمعة هنا ليست مُهمّة...، المُهم أن تلتزم بالمترين لكي لا يتحدّث عنك النّاس فتضطرّ مهزوماً وخائناً لله ولنفسك والآخرين لأن تقول منهم لله...؟؟؟!!!
تصوّر يا والدي...؛ منذ سنةٍ وأكثر، اجتمع الأردنيّون واتفقوا (صغيرهم وكبيرهم) على أنّ مجلس النّواب مزوّر وباعتراف أكثرهم، وإنّه على علاقة غير شرعيّة مع الحكومة وفاحت رائحتها وأزكمت النّفوس بتمرير قضيّة الفوسفات التي ليس بعدها دليل...، و ...و....؛ ولا يزالون بكلّ وقاحة يقولون لنا: منكم لله.
لم يبقَ يا والدي هنا سوى الأردنيين البسطاء الذين يقولون (منّا لله) وما خلاهم وغيرهم...؛ فالكلّ يا والدي لا ينطق على لسانه إلّا: (منهم لله)...
حتّى الفساد (نفسه) يا والدي ما برح وما انفكّ كلّما اشتكى (أحمد عز الأردن) وقال له وهو (ينتق): يا حضرة الفساد...، الأردنيّون يسبونني فيك...يقول له بعد أن يُعانقه ويضمّه إلى جيبه وينظر للسّماء: (منهم لله)...!
أيّها الأردنيّون المخلصون الشّرفاء: نعم وألف نعم...؛ منكم لله!!! فهي أخير وأفضل على الإطلاق من أن تقولوا : منهم لله...، فهي الدّليل على صدقكم وكذب كلّ من دونكم، فقولوا منّا لله لا منهم لله وأكثروا منها مادام هناك فوق كلّ ذي علمٍ عليم ولا يُظلم عنده لا انس ولا جآنٌ ولا حيوان... !!! أعرفتموه...؟ إنّه الحقّ الذي (كُلّنا له) وسيفرق بيننا بالحق... .