فرش الكعك الذي يحمله "عطية"؛ ويقف به على ناصية الشارع المؤدي لشركة مناجم الفوسفات، وعلى مدار ما يربو عن 70 اعتصامًا، تعاطف مع المتقاعدين الذين تجمعهم ذكريات كانت جميلة، وأرادوها أن تبقى جميلة في شركة مناجم الفوسفات أيام كانوا مصدر تقدير واحترام من مدراء إدارة الشركة، حينما كان الإنتاج ديدنهم والعمل في ظروف يعرف الجميع أنها ظروف تعدينية صناعية خطرة. الأمر الذي ترتب عليه أن يحملوا أمراضًا بدأوا يتعاملون معها عندما تقاعدوا.
منذ تقاعدهم مرت سنوات، وهم يتمتعون بتأمين صحي يحترم تاريخهم، وصولاً إلى العام 2017 حينما ارتأت الشركة أن تبحث عن أبواب خفض التكاليف، وهذا من حقها، فاتجهت فورًا إلى ملف التأمين الصحي لكي ترى ما يمكنها عمله. والحقيقة أنها استطاعت خفض التكاليف، ولكن على حساب تدني الخدمة الطبية المقدمة للمتقاعدين، الأمر الذي جعلهم يتجهون للشركة بمخاطبات واستدعاءات لم تلقَ أذنًا صاغية، ليخرجوا بماراثون من الاعتصامات على بوابة الشركة.
هناك، على مقربة من بوابة الشركة، بدأت علاقة المتقاعدين مع فرش الكعك، الذي هتف مع المتقاعدين: "بدي حقي بالتأمين، لا شحدة ولا منية"، تضامنًا معهم. فمتى يرق قلب إدارة التأمين مثلما رق قلب فرش الكعك وهو من خشب؟
حدث أن المتقاعدين تكاتفوا وتضامنوا واعتصموا على باب الشركة بألفية مشهودة، يهتفون بصوت واحد: "ما بنبيعك يا تأمين لا بمليون ولا بملايين".
لعل هناك من انتبه لجدية الألفية ولمؤسسية مطالبها، لا سيما أن شعارها كان "إحنا بوجهك يا أبو حسين". لنتفاجأ بوجود استدعاءات وتوقيعات لموظفين شعروا بأن تأمينهم بات مفرغًا من مضمونه، فطالبوا بما يعرف بـ"المخالصة"، وهي فكرة مرفوضة لدى الشركة جملة وتفصيلاً؛ وكان الأجدر بالشركة أن ترفض استلام هكذا استدعاءات وتواقيع، ولكنها لم تفعل؛ فلماذا لم تفعل؟! الله أعلم.
فيما بعد، أصبحت التواقيع والاستدعاءات ذريعة وسوطًا لجلد ظهور المتقاعدين بحجة أنهم أتوا منكرًا بمطالبتهم بيع التأمين؛ وبهذه الذريعة، هربت إدارة التأمين إلى الأمام عن أصل المشكلة، ألا وهي المنغصات والعراقيل في بعض العلاجات والإجراءات الطبية، وتطفيش بعض الأطباء المعتمدين ، وفصل متقاعدين من التأمين لم يملكوا بدل الاشتراك السنوي بعد تآكل رواتبهم التقاعدية على مر السنين.
لا زالت المشكلة عالقة، ولا زالت إدارة التأمين تولي المتقاعدين أذنًا من طين وأذنًا من عجين، ضمن مسلسل "مكسيكي" عنوانه "شيطنة المتقاعدين".
كانت هذه الشيطنة هي السلاح الذي استخدم ضدهم في أكثر من وساطة، وفي أكثر من تدخل مع أكثر من جهة، كل ذلك للهروب من فكرة أن النظام الداخلي الذي يُدار به ملف التأمين نظام داخلي مهترئ قديم، لا ندري إن كان مصادقًا عليه من الجهات المختصة أم لا، حتى أن المتقاعدين لا يملكون الا نسخا باهتة مصورة عنه ، ولا يوجد لهم ممثلين منتخبين من قبلهم في إدارة التأمين؛ وعوضًا عن ذلك، قامت إدارة التأمين بتعيين ممثلين عن المتقاعدين كما يحلو لها.
المتقاعدون هم الشريك الأكبر في الصندوق، ومع ذلك لا يعتبرون حتى هيئة عامة للصندوق، ولم تتم دعوتهم لأي اجتماع يتناول الحسابات الختامية وميزانية الصندوق وأوجه الصرف منه.
هذا النظام الداخلي المهترئ، والذي كتبته الشركة، هي أول من اخترقته، وهي أول من تجاوزته، إذ أن الصندوق بني على مبدأ التكافل والتضامن، والشركة أوقفت هذا المبدأ من طرف واحد؛ الأمر الذي قضى على إيراد مهم من إيرادات صندوق التأمين الصحي لما بعد التقاعد، وترتب على ذلك عجز لا زالت إدارة التأمين تلوح به في وجه كل من أراد أن يخاف الله في المتقاعدين من المتوسطين.
ما كان المتقاعدون يظنون أن إدارة تأمينهم ستتعامل معهم كخصوم، لأن المنازلة غير متكافئة، فهي بين أسهم تصعد وتيرتها، ومتقاعدين تهبط صحتهم.
إن المتقاعدين إذ يشكرون فرش الكعك، صاحب القلب الخشبي الذي تعاطف معهم، ليتمنون على إدارة التأمين أن تستعير قلب الفرش، وتتَعاطف معهم وتحل الإشكال حتى لو تحملت عبئا ماليًا بسيطًا قياسًا مع أرباحها.
الحمد لله، ولا حسد الشركة تربح باستمرار، والحمد لله ايضا ولا حول ولا قوة إلا بالله، المتقاعدون يخسرون باستمرار.
والله من وراء القصد.