عد العملية التي نفذها سائق الشاحنة الأردني ماهر الجازي الحويطي، يوم الأحد 8 سبتمبر/ أيلول 2024، في معبر اللنبي "معبر الكرامة" الرابط بين الضفة الغربية المحتلة والأردن، وتوفي على إثرها ثلاث 3 إسرائيليين من حراس المعبر، عاد إسم الشيخ هارون الجازي للواجهة، كونه من نفس عائلة الشهيد الأردني.
وقد كان الشيخ هارون سحيمان الجازي الذي ينتمي إلى عشيرة "الحويطات" في أذرح، وهي إحدى قرى محافظة معان الأردنية، قائد سرية متطوعي أبناء الحويطات في معركة القسطل بالقدس عام 1948.
لكن بالرغم من دوره الكبير في هذه المعركة المهمة في تاريخ المقاومة الفلسطينية، إلا أن الشيخ هارون الجازي لم يتم الحديث عنه بشكل كبير في السابق.
لكن اليوم بعد تصدر إسمه المشهد الإعلامي من جديد يصبح التساؤل المطروح هو من يكون الشيخ هارون سحيمان الجازي، وما هي أبرز أدواره في المقاومة الأردنية الفلسطينية خلال النكبة؟
من هو الشيخ هارون الجازي؟
وُلد في عام 1913 في قرية أذرح التابعة لمحافظة معان الأردنية، تلقى تعليمه الأولي في "كتاب العشيرة"، حيث نشأ في بيئة بدوية عربية متمسكة بالقيم الإسلامية والوطنية. مع إدراكه لخطر المؤامرة الصهيونية-البريطانية على فلسطين، وبداية الثورة الفلسطينية الكبرى، بدأت تتبلور لديه فكرة الجهاد كواجب ديني ووطني.
ومنذ تطبيق وعد بلفور عام 1917، أدرك الشيخ الجازي أن المشروع الصهيوني يمثل تهديدًا خطيرًا ليس فقط لفلسطين، بل للأمة العربية والإسلامية بأسرها.
بداية مرحلة الجهاد في فلسطين
مع صدور قرار تقسيم الأراضي فلسطين عام 1947، بادر الشيخ هارون الجازي إلى تشكيل كتيبة من المتطوعين المجاهدين تحت قيادته.
لم ينتظر دعوة من أحد، بل كانت حركته نابعة من إحساسه العميق بواجب الجهاد الذي فرضه عليه دينه وضميره الأخلاقي والوطني.
عُرفت هذه الكتيبة باسم "كتيبة هارون الجازي"، وكانت من أوائل الكتائب العربية التي عبرت من الأردن إلى فلسطين للمشاركة في القتال.
إذ لعب الشيخ هارون الجازي دورًا حاسمًا في عدة معارك مفصلية خلال حرب فلسطين، وأبرزها معركتي باب الواد واللطرون.
هذه المعارك كانت جزءًا من الجهود العربية لقطع طرق الإمدادات بين تل أبيب والقدس، حيث سيطر الشيخ هارون ورفاقه المجاهدون على الطريق الحيوي بين المدينتين، مما ساهم بشكل كبير في تضييق الخناق على القوات الصهيونية المحاصرة في القدس.
وفقًا للكاتبين الأمريكي "لاري كولينز" والفرنسي "دومينيك لابيير" في كتابهما "يا قدس"، فقد كان الشيخ هارون يتنكر بزي راعٍ ليتجول في التلال ويدرس المنحدرات، ولكنه في الحقيقة كان يخطط لاستراتيجية عسكرية دقيقة ضد القوات الصهيونية في المنطقة.
دوره في معركة القسطل
إلى جانب دوره في معركتي باب الواد واللطرون، كان للشيخ هارون الجازي حضور مهم في "معركة القسطل" الشهيرة التي سبقت النكبة سنة 1948، وكانت حاسمة في التاريخ الفلسطيني.
إذ قاد جناح الميسرة في المعركة إلى جانب الشهيد "عبد القادر الحسيني"، وكانت مهمته إطلاق النار وبدء الهجوم من الجهة الجنوبية الغربية.
رغم علم الشيخ الجازي وعبد القادر الحسيني بأن موازين القوى كانت لصالح الصهاينة في تلك المعركة، فإنهما أدركا أن السيطرة على القسطل تعني السيطرة على القدس، ومن يسيطر على القدس يمكن أن يسيطر على فلسطين بأكملها.
وخلال هذه المعركة سقط القيادي العسكري عبد القادر الحسيني شهيدا، وهزت المقاومة العربية أمام القوات الصهيونية التي كانت تنوي دخول القدس واحتلالها.
رفض قرار الهدنة
بعد قرار الهدنة الذي فرضته الأمم المتحدة على الجيوش العربية والقوات الصهيونية، رفض الشيخ هارون الالتزام به، معتبرًا أن هذه الهدنة كانت مؤامرة دولية تهدف إلى منح الصهاينة الوقت للتزود بالأسلحة والعتاد.
إذ استمر في شن هجمات ضد العصابات الصهيونية، مما جعل منه هدفًا رئيسيًا للقوات البريطانية والعصابات الصهيونية بسبب قراره هذا.
ويُقال حسب بعض المصادر التاريخية إنه كان يتمتع بروح قتالية لا مثيل لها، حيث كان الموت نفسه "يهرب منه"، كما ورد في مذكرات بعض زملائه في المعركة.
الإرث الوطني والتكريم
نالت بطولات
لشيخ هارون الجازي التقدير العالي من القيادة الأردنية، إذ قام الملك عبد الله الأول بتكريمه ومنحه وسام الاستقلال تقديرًا لشجاعته ودوره البطولي في معركة باب الواد.كما خاض الشيخ هارون العديد من المعارك الأخرى في مواقع مثل بيت محسير وخلدة ودير أيوب وجبال يالو، وترك بصمة لا تُمحى في سجل النضال الفلسطيني.
لكنه توفي بتاريخ 1 يناير 1979، لكن ذكراه لم تغب عن قلوب الفلسطينيين والأردنيين، فقد كان قائدًا نادرًا من نوعه، وشجاعته وإيمانه بقضيته جعلت منه رمزًا خالدًا للنضال العربي في فلسطين.
بعد أ، أسهم دوره في معركة القسطل وباب الواد في تشكيل جزء من التاريخ النضالي الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني، ولا يزال إرثه يشكل مصدر فخر لأبناء الأردن وفلسطين.