أخبار البلد - ليس سراً القول إن حركة فتح، رائدة العمل الوطني والثوري الفلسطيني، في موقف لا تحسد عليه، وذلك ليس بالأمر الغريب، فالأجسام يصيبها الخمول والترهل عندما لا تُجدد حيويتها، وهو ما ينعكس في أغلب الأحيان سلباً على الوضع العام، وينطبق ذلك على حركة فتح التي باتت عاجزة عن مواجهة التحديات، في وقت كانت الجماهير تنظر إليها كمخلص من أعباء الاحتلال. وليس غريباً أيضاً التفاف الجماهير حول الحركة حتى وإن ضعفت في الآونة الأخيرة، وذلك لتاريخ الحركة الحافل، فقد كانت المبادرة في النهوض من حطام النكبة، فالنكسة وكانت أول الرصاص وأول الحجارة، واستطاعت أن تصحح البوصلة من قضية لاجئين إلى قضية وطن سليب وشعب مهجر طريد، وكانت أول من هزم الجيش الذي كان لا يقهر، ودافعت بشراسة عن القرار الوطني المستقل، حاربت وحاورت .. كسبت وخسرت .. لكنها حافظت على قرارها المستقل، بعيداً عن التبعيات.
فتح سطرت أعظم الملاحم البطولية في بيروت، وقدمت الشهيد تلو الشهيد، والجريح تلو الجريح، والأسير تلو الأسير، فتح جمعت بين الفكر الحر الديموقراطي واليميني واليساري، وكانت السباقة للوحدة الوطنية، وجعلت من مسلكياتها الثورية النضالية سلاحاً لكل فلسطيني يصبو إلى الحرية والعودة والاستقلال، فتح أم الجماهير لأنها حامية المشروع الوطني، وزارعة الأمل في الأجيال، وصاحبة الانتصارات الحقيقية لا الوهمية، وطالما بادرت إلى الحرب والسلم، كانت القاسم المشترك لكل أبناء الشعب الفلسطيني، ولأنها ولأنها ولأنها .. والمسيرة طويلة.
ولكن أين فتح اليوم من فتح الأمس؟ .. فتح اليوم ابتعدت عن الفكرة التي نشأت لأجلها !! فأصابها الخمول والترهل والوهن إلى أن أصبحت الرجل المريض، تقودها مجموعة تنفذت وسط سكون الغالبية فيها لعدم رضاهم عن وضع الحركة العام، مجموعة غلبت عليها النزعة الفردية المبنية على المصالح الذاتية المغلفة بالأنانية المطلقة على النزعة الجماعية، ما حرف البوصلة عن الأهداف التي انطلقت لأجلها ، وهو ما جعل شعبية الحركة في الحضيض، وحلول تيارات أخرى مكانها تقود الساحة وتكسب تعاطف ومؤازرة وشعبية الجماهير، ومعها الكثير ممن كانوا حول فتح. وليس سراً القول أن حركة حماس باتت الأكثر شعبية في الساحة الفلسطينية، وما زاد من شعبيتها تمسكها بالمقاومة التي كفلتها القوانين والأعراف الدولية والسماوية، والتي تُوجت بعملية طوفان الأقصى التي قادتها، ومن بعد استهداف الاحتلال المباشر لها واغتيال رموزها وقادتها وآخرهم رئيسها الشهيد إسماعيل هنية في إيران، ومن قبله الشهيد صالح العاروري في لبنان.
حركة حماس أثبتت أنها ذات نهج مؤسساتي، صحيح أن اغتيال رموزها قد ألحق أضرارا كبيرة فيها، ولكنها استطاعت أن تضمد جراحها، واختارت على الفور يحيى السنوار خلفاً للشهيد هنية، بعيداً عن دوافع حماس وما الذي ترمي إليه وراء ذلك، ومن هو السنوار أو لماذا هو تحديداً، بينما كان من الممكن أن يكون هناك من هو أكثر حرية في التحرك أن يخلف هنية، ولكن ذلك مؤشر على أن حماس شرعت بإعادة تنظيم صفوفها والالتفاف على ما تواجهه من ضغوطات من كل صوب وحدب، والسنوار كما يبدو للعيان، ومن خلال تصريحات كثيرة له أنه يستطيع أن يحقق الوحدة لحركته وللوطن إن وجد نظير له في التيارات الأخرى، خاصة حركة فتح، ونبرته التصالحية أعلنها مراراً حتى أنه دعا قيادة فتح إلى العودة إلى غزة وإدارة شؤونها المدنية، بصرف النظر عن كينونة هذه الدعوة، ولكن يمكن البناء عليها بشكل يخدم المصلحة الوطنية العليا، ناهيك عن تغنيه المتكرر بالشهيد القائد الراحل ياسر عرفات، واقتباس الكثير من أقواله في خطاباته الجماهيرية.
وليس سراً القول أنه كما حركة فتح بحاجة إلى عمل وطني دؤوب يُغلب المصالح العليا للشعب الفلسطيني لاستعادة ثقة الجماهير، الأمر ذاته لحركة حماس، فهي بحاجة إلى عمل لا يقل في الدرجة لتضميد جراح من كابدوا وعانوا وما زالوا يهربون من الموت إلى الموت، في وقت اقترب العدوان الوحشي على الشعب الفلسطيني من إتمام عامه الاول.
ولعل اختيار حماس للسنوار الذي أمضى أكثر من عشرين عاماً خلف قضبان الاحتلال، وعلاقاته الوطيدة بالحركة الأسيرة وفي مقدمتهم مروان البرغوثي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، والذي ما زال يقبع في "باستيلات" الاحتلال ، لم يأت من فراغ، وقد يُقرأ منه أن حماس وبعد هذا الكم الهائل من الشهداء والجرحى والاسرى، ومن قبل تعثر إدارتها لقطاع غزة خلال الـ 17 عاماً الماضية، بحاجة ماسة إلى الوحدة الوطنية، وربما ذلك دعوة للعودة إلى وثيقة الأسرى التي اطلقت قبل سنوات للمصالحة بين قطبي العمل الوطني الفلسطيني ( فتح وحماس)، وإنهاء الانقسام بين شطري الوطن، والذي لم يكن ضرره أقل وطأة من الضرر الذي ألحقه الاحتلال وما زال بحق البشر والحجر وشتى مناحي الحياة في غزة والضفة الغربية والقدس. ومن هنا يمكن تبين إصرار حركة حماس في مفاوضاتها حول تبادل الأسرى وتمسكها بالإفراج عن مروان البرغوثي وأحمد سعدات وآخرين من القيادات الوازنة في الحركة الأسيرة، والتي من دون شك سيكون لها دور فاعل في إتمام المصالحة الوطنية، وترميم الحركة الوطنية بشتى ألوانها، في استغلال واضح للتعثر الإسرائيلي في تحقيق أهدافه من العدوان المستمر، والفشل في الوصول إلى المقاومة أو القضاء عليها، والاستعداد للمرحلة القادمة والتي قد تحمل في جنباتها الكثير من التطورات المحلية والإقليمية، وربما العالمية.
في الجانب الآخر، فإن المجلس الثوري لحركة فتح ومن بعده اللجنة المركزية - إن كانت لديهم الرغبة الحقيقية والإرادة القوية الصادقة للملمة الحركة واستعادة ثقة القاعدة - مطالبان بعقد اجتماع استثنائي طارئ يعلن فيه عن انتخاب مروان البرغوثي - والذي رشحته الكثير من الاستفتاءات على أنه الشخصية الأكثر شعبية في الشارع الفلسطيني - رئيساً للحركة واستغلال العلاقة الوطيدة مع السنوار، لتنفيذ وثيقة الأسرى والتوجه نحو إتمام المصالحة الوطنية الداخلية والفصائلية، وبالتالي تمهيد الطريق لإنهاء الانقسام.
قد يتساءل البعض لماذا مروان البرغوثي؟ بكل شفافية فأبو القسام ينتمي إلى الحقبة العرفاتية بكل معطياتها، ياسر عرفات الذي ما زال الفلسطينييون يتغنون بأمجاده ويعيشون على إرثه، "فربيبه" مروان البرغوثي يعتبرونه وخاصة الفتحاويين، الأمل الكبير في توحيد صفوف حركة فتح واستعادة روحها النضالية، ودورها الكفاحي، ومكانتها فلسطينياً وعربياً ودولياً، فالبرغوثي يشكل الحالة الوطنية الوحيدة في الساحة الفتحاوية، وهو القادر على إعادة بناء الهوية الوطنية الجامعة، وإعادة التأسيس لكيان وطني جامع على أسس وطنية، وهو الأقدر لما يحظى به من احترام وشعبية، وبالشراكة ونظرائه من الفصائل الأخرى، خاصة الرئيس الجديد لحركة حماس يحيى السنوار، على توحيد شطري الوطن وبالتالي إنهاء الانقسام المدمر، وإحداث انتفاضة أخلاقية وطنية وسياسية في المجتمع الفلسطيني، وتدشين مرحلة جديدة في النضال الفلسطيني.
..........
لعل اختيار حماس للسنوار الذي أمضى أكثر من عشرين عاماً خلف قضبان الاحتلال، وعلاقاته الوطيدة بالحركة الأسيرة وفي مقدمتهم مروان البرغوثي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، والذي ما زال يقبع في "باستيلات" الاحتلال ، لم يأت من فراغ.
السنوار والبرغوثي هل سينجحان في تدشين مرحلة نضال جديدة؟
أحمد صيام