بقلم – محمد القصاص
من المعلوم بأن أكبر مشكلة تطفو على السطح في هذه الأيام ، بل وتعتبر من أكبر التحديات ومن القضايا الأولى والمهمة ، التي تواجه الحكومة ، هي مشكلة المتقاعدين العسكريين .. فهي كما يعلم أصحاب الرأي ، وزبانية مقرري اللجنة التي تولت إنصاف المتقاعدين على حد زعمهم ، باتت أسوأ من ذي قبل ، وأزيد على ذلك بأنها أصبحت قضية يتوقع لها أن تعصف بالهدوء والاستقرار الذي نسعى إليه جميعنا ، فهي الأخرى وعلى ما يبدو تعتبر قضية فساد كبرى قديمة جديدة في ذات الوقت ، لأن لجنة التحكيم التي تولت البت فيها ، لم تستوعب توجيهات جلالة الملك المعظم ، حيث أن توصيات جلالته كانت كما علمنا إيجابية إلى أبعد حد ، لأنها حينما تصدر عن قائد محنك يعي الدور الكبير الذي قدمه هؤلاء النشامى على مر العقود الماضية ، والذي أسهم إسهاما كبيرا بالحفاظ على مقدرات الوطن ووحدته الوطنية على مر أكثر من خمسين عاما ، ودافعوا عنها دفاع الأبطال . إذن فإن قرارات جلالة الملك ترتكز على أسس وقواعد واضحة وعادلة .. ولكن الغريب في الأمر .. أن اللجنة التي شكلت من أجل النظر بهذه القضية .. أخذت على عاتقها بأن تكون في خندق مضاد تماما سواء للقرارات التي صدرت عن الديوان الملكي ، أو لصالح المتقاعدين العسكريين أنفسهم ..
لقد كتب الزميل .. محمد الحليق على موقع البلقاء نت .. مقالا فند فيه تلك التجاوزات التي ارتكبتها اللجنة المشكلة لإنصاف المتقاعدين العسكريين ، من أجل مساواتهم بزملائهم الحاليين .. دون أن يترتب على ذلك أي أثر سلبي على أي من الجانبين .. فالمتقاعدون الجدد ، احتصلوا على حقوقهم كحق مكتسب لا يمكن انتزاعه منهم .
نعم .. أنا أعترف بأنني من أوائل من كتب عن حقوق المتقاعدين العسكريين القدامى المنقوصة ، حيث قمت بطرحها في مقال طويل منذ عهد الذهبي .. على صفحات مواقع عدة .. وكم كانت أمنياتنا بأن تلقى هذه المشكلة الحل الأمثل .. الذي يهدم تلك الهوة الكبيرة التي لطالما نادينا بهدمها ، ليضمحل الفارق ما بين الحالتين .. المتقاعدين القدامى الذين قدموا للوطن ما لم يقدمه أي أحد من الحكومة الحالية ولا من الحكومات الزائلة .. وبين المتقاعدين الجدد.
ولكن .. كم كان المخاض عسيرا .. وكم كان التردد واضحا في اتخاذ القرار ، وكم كانت نظرة الكثير من أعضاء الحكومة للمتقاعدين القدامى مزرية ؟ وي كأن المتقاعدين القدامى هم كلٌّ على حكومة عون وعلى غيره من الحكومات السابقة سيئة الذكر ..
إن مسألة التراخي في إنصاف المتقاعدين القدامى هي مسألة لا تحتمل الصبر ولا المماطلة .. وكان من الأجدر بتلك اللجنة التي راهنت على أن تسكت هؤلاء النشامى بأقل الخسائر ، وكانهم يدفعون من جيوبهم ، لكننا أدركنا أن القضية هي أبعد من ذلك بكثير ، فعمدت اللجنة إلى أن تبقى الساحة مكتظة تموج بالهرج والمرج والاعتصامات والمظاهرات ، وهذا ليس له أي تفسير سوى أنهم لا يريدون لهذا الوطن استقرارا .. وكان من المفروض أن ينصف هؤلاء النشامى بالمساواة وليس بأقل من ذلك ..
كما أسلفت فقد تعسر المخاض أشهرا في عهد حكومة عون .. وبالتالي .. كم حاولوا التكتم عليه ، كان كتمانا مدروسا بعناية .. لأنهم حرصوا على أن لا يبيحوا بهذا السرّ العجيب إلا بعد أن يهدأ غضب المتقاعدين ، ويتحولوا عن مطالبهم ورغباتهم بالاعتصام .. ويشربون مقلبا كان بانتظارهم قد أعد لهم بإحكام ..
أما اليوم فقد ظهرت الحقيقة ، وعلمنا بأن العدل مفقود .. مفقود .. حتى في عهد الحكومة التي توقعنا منها الخير الوفير والعدل الذي لا يجاوزه عدل من قبل إلا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب .. ولكن الحقائق التي تكشفت أثبتت بأن القضية ليست قضية عدل ولا مساواة .. لكنها قضية افتراء على تلك الفئة التي لم تفتأ يوما عن تقديم الدعم المعنوي والفعلي للوطن ولقائد الوطن ، وما يحرجنا أيضا هو أن الوضع الاقتصادي على مايبدو بتردٍّ دائم .. بل وهو في طريقه إلى الهاوية .. وعلى ما يبدو أيضا فإن اقتصاد الأردن هو فعلا بات مهلهلا أكثر من ذي قبل أي في عهد الفساد البائد .. الذي قاد البلد إلى الخراب .. حيث لم يكن بمقدور أي إنسان أن يرفع عقيرته ، ليردَّ بذلك الظلم عن الشعب الأردني ، أو أن يوقف بيع مقدراته ..
أنا أضم صوتي إلى صوت كل إنسان عانى من الظلم ، أو أصابه الجنف ، ولقد نذرت نفسي لأكون دائما بجانب الحق .. ، وما قامت به الحكومة من مخالفات أهمها تلكؤها في اتخاذ القرارات الحاسمة والسريعة من أجل تنفيذ قرارات العدالة ، وهذا يدل على أن مثل هذا التباطؤ والتراخي ما هو إلا تحدٍّ سافر لمشاعر المواطنين الشرفاء بما فيهم المتقاعدين الذين عانوا من ويلات الفقر والبطالة وما زالوا يعانون .. وهي في ذات الوقت كانت فرصةٌ مواتيةٌ لمتربصين يتحفزون لإثارة النعرات ما بين المتقاعدين والوطن . وإن من السخرية أن تلجأ الحكومة ما بين فترة وأخرى إلى إطلاق بعض التصريحات المسمومة الحمقاء .. والتي تصدر من الدوائر المختصة بالتوظيف ، مثل ديوان الخدمة المدنية ، الذي يتلكأ دائما في تنفيذ قرارات التوظيف ، أو يعمد إلى تأجيلها ، أو تحريفها لتتفق مع ترتيبات يتم تجييرها لمصلحة أناس ما كانوا في العير ولا في النفير ..
إن تضييق الخناق على رجال الأعمال من المواطنين الذين يرغبون بإقامة مشاريعهم على أرض الأردن بكل أشكالها، ما هو إلا لإثقال كواهلهم بالرسوم والإجراءات التي ما أنزل الله بها من سلطان .. بل وما هي إلا حرب مدروسة يبتغون من ورائها ، إما حرمان الأردن من خيرات أبنائه .. أو هم يسعون إلى الحصول على حصة الأسد على شكل رشاوي تقدم إليهم بطريقة قبيحة .. لا يعلمها إلا الله .. وهكذا يكون الوطن هو الخاسر دائما..
أنا أناشد كل مسئول في حكومتنا الرشيدة .. بأن ينتبهوا أيضا انتباها شديدا لظاهرة البطالة المتفشية بين أبنائنا الخريجين ، والذين بدأوا يفتشون عن طرق ملتوية من أجل إنعاش حياتهم الاعتيادية ، فالشباب لديهم رغبات ولديهم قدرات وهم عبارة عن طاقات كامنة ، لا يمكن تصريفها إلا بالعمل أو اللجوء إلى الفوضى ، أو الإدمان أو الاتجار بالمخدرات ، وما أكثر ما نسمع عن قضايا المخدرات والاتجار بها وبغيرها من الممنوعات بشتى أنواعها وأنتم تعرفون ذلك ، وهي السبيل الوحيد الذي أصبح يخامر نفوسهم ، ليقضوا تفثهم ، وليوسعوا على أهلهم ، وهم الذين قد مضى على تخرج بعضهم أكثر من خمسة عشر عاما ، وما زالوا ينتظرون معجزة إلهية تنزل من السماء ، لتنقلهم من حالة اليأس والقنوط ، إلى حالة الأمل المعقدة .. المتعثرة في معظم الحالات .
فبأي صفة يا حكومتنا تطالبون أبناءنا بضرورة التحلي بالفضيلة والمحافظة على الأمن والهدوء والاستقرار .. ماذا لو تحول العاطلون عن العمل كلهم إلى تجار مخدرات وغيرها من الممنوعات .. ألا تنصبون لهم أعواد المشانق لتعاقبونهم على ما اقترفوه من ذنوب هم مجبرون عليها ..
يا حكومتنا الرشيدة .. أنتم تقبعون هناك في وزاراتكم المدفأة شتاء .. والمبردة صيفا.. لا تعون أبدا ولا تدرون إن كانت الدنيا من حولكم خراب .. أو دمار ، ولا تدرون أيضا إن كان مواطنوكم فقراء جياع .. أم أغنياء متخمون ، بل لا تعلمون إن كان هناك من يرتعد من شدة البرد طيلة أيام الشتاء القاسية ..
إن شبابنا وشاباتنا العاطلين عن العمل منذ أكثر من خمسة عشر عاما .. قد يئسوا من الحياة ، وقد أُحبطوا احباطا لا يعلمه إلا الله .. أنتم لا تعلمون عنهم شيئا ، لأنكم لم تكلفوا خاطركم بالنزول إلى الشارع ولم تتحسسوا مشاكلهم ، وما يقض مضاجعهم من خشيتهم على مستقبلهم ..
يا دولة الرئيس .. لقد تفشت الرذيلة بكل أشكالها بين أوساط الشباب .. ترجل من عليائك واذهب إلى جامعة اليرموك وأنت في طريقك إلى بيتك ، وابحث عن الطلاب الفقراء بالذات .. اسألهم عن مصاريفهم اليومية ، وكم من الهموم والمشاكل تواجههم في حياتهم .. اسألهم عن سبب ضآلة دخولهم .. وكيف يعيشون ؟ اذهب إلى مدرسة أعرفها حق المعرفة .. واسأل عن طالبات يمضين أسبوعا كاملا بدون إفطار .. والسبب أنهن ينتظرن دورهن في تناول الافطار وهن سبعة فتيات .. وليس بمقدور العائلة أن توفر إفطار لسبعة من أفرادها ...
هل أنت مستريح أيها الرئيس .. ؟ وتنام ليلك هاديء البال وقرير العين ؟ ولا تحسب حساب الرعية ... ؟ هل هو واجب جلالة الملك أن يتخفى وينزل إلى الشوارع والأزقة ليستطلع أحوال الناس جميعا .. ؟ جلالة الملك صاحب المسئوليات الكبرى الضخمة .. يكفيه أنه يتولى قيادة سفينتنا هنا ما بين وحوش الدنيا المتربصة بنا إلى شاطيء السلام ..
يا دولة الرئيس .. من قال بأن ثلاثين دينارا تجعل المتقاعدين يعيشون بشرف وكرامة وتقيهم شر العوز والفقر ... ؟ من قال ذلك في ظل الزيادات الملموسة والمتدهورة بأسعار كل شيء .. وهانحن نرى الكثير من مؤسساتنا المدنية التجارية ، قد أخذت تتراجع وتتقهقر رويدا رويدا عن زخم آدائها لواجباتها لما تواجهه من تحديات وإجراءات مثبطة للعزيمة .. وتلك المؤسسات تعلم يقينا بأنها لن يكون بمقدورها أن تنجح في مهامها ، في خضم هذا الوضع الاقتصادي المتدهور .
يجب أن لا نكابر بالمحسوس ، ويجب أن نعترف بذلك صراحة ، فكلٌ منا يحس به ويراه حقيقة لا مراء فيها ..
مالذي دهى الحكومة ، ومن الذي دفعها إلى التردي والانزلاق بهذه الأوحال نتيجة قرارات جائرة ظالمة ؟ وما الجبن والخنوع الذي أصابها في تعاملها مع المفسدين الذين باعوا مؤسسات الوطن ومقدراته بثمن بخس .. ؟ المفسدون حينما تستدعيهم العدالة ، يبدو واضحا بأنهم من أضعف خلق الله .. بعد أن كانوا على رأس الهرم وفي قمة المسئولية ابان الحكومات البائدة .
إنني أتمنى على رئيس الوزراء بالذات وعلى الحكومة أن يبادروا جميعا إلى حل مشكلة المتقاعدين العسكريين بشكل خاص ، ومشكلة الاقتصاد الأردني بشكل عام ، لتبقى حالتنا الاقتصادية في قمة نشاطها ، وفي أوج عطائها ، لأن السوق المحلية باتت تتراجع أمام الابتزاز المادي والقيود التي تفرضها الحكومة على المؤسسات ، بدل أن تمنحهم الفرصة والحرية ، وتشجعهم على مزيد من العطاء ، لتمضي كل الجهات المختصة باقتصادنا نحو التقدم والازدهار .
وأما مشكلة المؤسسات المباعة ، وعلى رأسها مؤسسة الفوسفات . يتوجب عليكم يا دولة الرئيس السعي لحل هذه المشكلة حلا جذريا ، وإعادة مقدرات الوطن كلها للوطن ، فإن لم تستطيعوا ، فلا مجال للمماطلة أو المواعيد التي لا تفيد ولا تسمن ولا تغني من جوع ... وبهذه الحالة يجب على الحكومة أن ترحل بفشلها ومماطلتها لتخلي المجال لمن يتبوأ الصدارة في قدراته على حل المشاكل كلية لا جزئية ، وذلك خير ألف مرة من أن تبقى جاثمة على جراح هذا الوطن وهي تنزف وتنزف ، إلى أن تبلغ مرحلة لا يمكن معها أن تعود إلى صحتها ، أو تمكن بلدنا من النهوض من تحت الرماد ....
أنا أكتب هذا المقال .. ولا أطلب أبدا من أي مواطن يطلع عليه .. ليكيل لي الثناء والمديح أو يقدم لي النياشين والأوسمة .. فوسامي هو عملي وسمعتي وإيماني بوطني وبقيادتي الهاشمية وهذا يكفيني شرفا.. فأنا أدون هنا حقائق يجب أن تصل إلى مسامع وفكر دولة رئيس الوزراء وكل الوزراء والأعيان والنواب .. بل وكل المسئولين من مدنيين وعسكريين ، وعليهم والله كل المسئولية بأن يتوخوا العدل والمساواة في تعاملهم مع مرؤسيهم كافة ... وأن لا يضعوا بحسبانهم تلك التفرقة العمياء .. هذا جنوبي وهذا شمالي .. فالوطن برمته لم يبلغ أبدا حارة من حارات الدول المجاورة على مستوى الشرق الأوسط .. ولا يستحق من رجالاته كل هذا التعصب الأعمى المَقيت .. والسلام ...
من المعلوم بأن أكبر مشكلة تطفو على السطح في هذه الأيام ، بل وتعتبر من أكبر التحديات ومن القضايا الأولى والمهمة ، التي تواجه الحكومة ، هي مشكلة المتقاعدين العسكريين .. فهي كما يعلم أصحاب الرأي ، وزبانية مقرري اللجنة التي تولت إنصاف المتقاعدين على حد زعمهم ، باتت أسوأ من ذي قبل ، وأزيد على ذلك بأنها أصبحت قضية يتوقع لها أن تعصف بالهدوء والاستقرار الذي نسعى إليه جميعنا ، فهي الأخرى وعلى ما يبدو تعتبر قضية فساد كبرى قديمة جديدة في ذات الوقت ، لأن لجنة التحكيم التي تولت البت فيها ، لم تستوعب توجيهات جلالة الملك المعظم ، حيث أن توصيات جلالته كانت كما علمنا إيجابية إلى أبعد حد ، لأنها حينما تصدر عن قائد محنك يعي الدور الكبير الذي قدمه هؤلاء النشامى على مر العقود الماضية ، والذي أسهم إسهاما كبيرا بالحفاظ على مقدرات الوطن ووحدته الوطنية على مر أكثر من خمسين عاما ، ودافعوا عنها دفاع الأبطال . إذن فإن قرارات جلالة الملك ترتكز على أسس وقواعد واضحة وعادلة .. ولكن الغريب في الأمر .. أن اللجنة التي شكلت من أجل النظر بهذه القضية .. أخذت على عاتقها بأن تكون في خندق مضاد تماما سواء للقرارات التي صدرت عن الديوان الملكي ، أو لصالح المتقاعدين العسكريين أنفسهم ..
لقد كتب الزميل .. محمد الحليق على موقع البلقاء نت .. مقالا فند فيه تلك التجاوزات التي ارتكبتها اللجنة المشكلة لإنصاف المتقاعدين العسكريين ، من أجل مساواتهم بزملائهم الحاليين .. دون أن يترتب على ذلك أي أثر سلبي على أي من الجانبين .. فالمتقاعدون الجدد ، احتصلوا على حقوقهم كحق مكتسب لا يمكن انتزاعه منهم .
نعم .. أنا أعترف بأنني من أوائل من كتب عن حقوق المتقاعدين العسكريين القدامى المنقوصة ، حيث قمت بطرحها في مقال طويل منذ عهد الذهبي .. على صفحات مواقع عدة .. وكم كانت أمنياتنا بأن تلقى هذه المشكلة الحل الأمثل .. الذي يهدم تلك الهوة الكبيرة التي لطالما نادينا بهدمها ، ليضمحل الفارق ما بين الحالتين .. المتقاعدين القدامى الذين قدموا للوطن ما لم يقدمه أي أحد من الحكومة الحالية ولا من الحكومات الزائلة .. وبين المتقاعدين الجدد.
ولكن .. كم كان المخاض عسيرا .. وكم كان التردد واضحا في اتخاذ القرار ، وكم كانت نظرة الكثير من أعضاء الحكومة للمتقاعدين القدامى مزرية ؟ وي كأن المتقاعدين القدامى هم كلٌّ على حكومة عون وعلى غيره من الحكومات السابقة سيئة الذكر ..
إن مسألة التراخي في إنصاف المتقاعدين القدامى هي مسألة لا تحتمل الصبر ولا المماطلة .. وكان من الأجدر بتلك اللجنة التي راهنت على أن تسكت هؤلاء النشامى بأقل الخسائر ، وكانهم يدفعون من جيوبهم ، لكننا أدركنا أن القضية هي أبعد من ذلك بكثير ، فعمدت اللجنة إلى أن تبقى الساحة مكتظة تموج بالهرج والمرج والاعتصامات والمظاهرات ، وهذا ليس له أي تفسير سوى أنهم لا يريدون لهذا الوطن استقرارا .. وكان من المفروض أن ينصف هؤلاء النشامى بالمساواة وليس بأقل من ذلك ..
كما أسلفت فقد تعسر المخاض أشهرا في عهد حكومة عون .. وبالتالي .. كم حاولوا التكتم عليه ، كان كتمانا مدروسا بعناية .. لأنهم حرصوا على أن لا يبيحوا بهذا السرّ العجيب إلا بعد أن يهدأ غضب المتقاعدين ، ويتحولوا عن مطالبهم ورغباتهم بالاعتصام .. ويشربون مقلبا كان بانتظارهم قد أعد لهم بإحكام ..
أما اليوم فقد ظهرت الحقيقة ، وعلمنا بأن العدل مفقود .. مفقود .. حتى في عهد الحكومة التي توقعنا منها الخير الوفير والعدل الذي لا يجاوزه عدل من قبل إلا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب .. ولكن الحقائق التي تكشفت أثبتت بأن القضية ليست قضية عدل ولا مساواة .. لكنها قضية افتراء على تلك الفئة التي لم تفتأ يوما عن تقديم الدعم المعنوي والفعلي للوطن ولقائد الوطن ، وما يحرجنا أيضا هو أن الوضع الاقتصادي على مايبدو بتردٍّ دائم .. بل وهو في طريقه إلى الهاوية .. وعلى ما يبدو أيضا فإن اقتصاد الأردن هو فعلا بات مهلهلا أكثر من ذي قبل أي في عهد الفساد البائد .. الذي قاد البلد إلى الخراب .. حيث لم يكن بمقدور أي إنسان أن يرفع عقيرته ، ليردَّ بذلك الظلم عن الشعب الأردني ، أو أن يوقف بيع مقدراته ..
أنا أضم صوتي إلى صوت كل إنسان عانى من الظلم ، أو أصابه الجنف ، ولقد نذرت نفسي لأكون دائما بجانب الحق .. ، وما قامت به الحكومة من مخالفات أهمها تلكؤها في اتخاذ القرارات الحاسمة والسريعة من أجل تنفيذ قرارات العدالة ، وهذا يدل على أن مثل هذا التباطؤ والتراخي ما هو إلا تحدٍّ سافر لمشاعر المواطنين الشرفاء بما فيهم المتقاعدين الذين عانوا من ويلات الفقر والبطالة وما زالوا يعانون .. وهي في ذات الوقت كانت فرصةٌ مواتيةٌ لمتربصين يتحفزون لإثارة النعرات ما بين المتقاعدين والوطن . وإن من السخرية أن تلجأ الحكومة ما بين فترة وأخرى إلى إطلاق بعض التصريحات المسمومة الحمقاء .. والتي تصدر من الدوائر المختصة بالتوظيف ، مثل ديوان الخدمة المدنية ، الذي يتلكأ دائما في تنفيذ قرارات التوظيف ، أو يعمد إلى تأجيلها ، أو تحريفها لتتفق مع ترتيبات يتم تجييرها لمصلحة أناس ما كانوا في العير ولا في النفير ..
إن تضييق الخناق على رجال الأعمال من المواطنين الذين يرغبون بإقامة مشاريعهم على أرض الأردن بكل أشكالها، ما هو إلا لإثقال كواهلهم بالرسوم والإجراءات التي ما أنزل الله بها من سلطان .. بل وما هي إلا حرب مدروسة يبتغون من ورائها ، إما حرمان الأردن من خيرات أبنائه .. أو هم يسعون إلى الحصول على حصة الأسد على شكل رشاوي تقدم إليهم بطريقة قبيحة .. لا يعلمها إلا الله .. وهكذا يكون الوطن هو الخاسر دائما..
أنا أناشد كل مسئول في حكومتنا الرشيدة .. بأن ينتبهوا أيضا انتباها شديدا لظاهرة البطالة المتفشية بين أبنائنا الخريجين ، والذين بدأوا يفتشون عن طرق ملتوية من أجل إنعاش حياتهم الاعتيادية ، فالشباب لديهم رغبات ولديهم قدرات وهم عبارة عن طاقات كامنة ، لا يمكن تصريفها إلا بالعمل أو اللجوء إلى الفوضى ، أو الإدمان أو الاتجار بالمخدرات ، وما أكثر ما نسمع عن قضايا المخدرات والاتجار بها وبغيرها من الممنوعات بشتى أنواعها وأنتم تعرفون ذلك ، وهي السبيل الوحيد الذي أصبح يخامر نفوسهم ، ليقضوا تفثهم ، وليوسعوا على أهلهم ، وهم الذين قد مضى على تخرج بعضهم أكثر من خمسة عشر عاما ، وما زالوا ينتظرون معجزة إلهية تنزل من السماء ، لتنقلهم من حالة اليأس والقنوط ، إلى حالة الأمل المعقدة .. المتعثرة في معظم الحالات .
فبأي صفة يا حكومتنا تطالبون أبناءنا بضرورة التحلي بالفضيلة والمحافظة على الأمن والهدوء والاستقرار .. ماذا لو تحول العاطلون عن العمل كلهم إلى تجار مخدرات وغيرها من الممنوعات .. ألا تنصبون لهم أعواد المشانق لتعاقبونهم على ما اقترفوه من ذنوب هم مجبرون عليها ..
يا حكومتنا الرشيدة .. أنتم تقبعون هناك في وزاراتكم المدفأة شتاء .. والمبردة صيفا.. لا تعون أبدا ولا تدرون إن كانت الدنيا من حولكم خراب .. أو دمار ، ولا تدرون أيضا إن كان مواطنوكم فقراء جياع .. أم أغنياء متخمون ، بل لا تعلمون إن كان هناك من يرتعد من شدة البرد طيلة أيام الشتاء القاسية ..
إن شبابنا وشاباتنا العاطلين عن العمل منذ أكثر من خمسة عشر عاما .. قد يئسوا من الحياة ، وقد أُحبطوا احباطا لا يعلمه إلا الله .. أنتم لا تعلمون عنهم شيئا ، لأنكم لم تكلفوا خاطركم بالنزول إلى الشارع ولم تتحسسوا مشاكلهم ، وما يقض مضاجعهم من خشيتهم على مستقبلهم ..
يا دولة الرئيس .. لقد تفشت الرذيلة بكل أشكالها بين أوساط الشباب .. ترجل من عليائك واذهب إلى جامعة اليرموك وأنت في طريقك إلى بيتك ، وابحث عن الطلاب الفقراء بالذات .. اسألهم عن مصاريفهم اليومية ، وكم من الهموم والمشاكل تواجههم في حياتهم .. اسألهم عن سبب ضآلة دخولهم .. وكيف يعيشون ؟ اذهب إلى مدرسة أعرفها حق المعرفة .. واسأل عن طالبات يمضين أسبوعا كاملا بدون إفطار .. والسبب أنهن ينتظرن دورهن في تناول الافطار وهن سبعة فتيات .. وليس بمقدور العائلة أن توفر إفطار لسبعة من أفرادها ...
هل أنت مستريح أيها الرئيس .. ؟ وتنام ليلك هاديء البال وقرير العين ؟ ولا تحسب حساب الرعية ... ؟ هل هو واجب جلالة الملك أن يتخفى وينزل إلى الشوارع والأزقة ليستطلع أحوال الناس جميعا .. ؟ جلالة الملك صاحب المسئوليات الكبرى الضخمة .. يكفيه أنه يتولى قيادة سفينتنا هنا ما بين وحوش الدنيا المتربصة بنا إلى شاطيء السلام ..
يا دولة الرئيس .. من قال بأن ثلاثين دينارا تجعل المتقاعدين يعيشون بشرف وكرامة وتقيهم شر العوز والفقر ... ؟ من قال ذلك في ظل الزيادات الملموسة والمتدهورة بأسعار كل شيء .. وهانحن نرى الكثير من مؤسساتنا المدنية التجارية ، قد أخذت تتراجع وتتقهقر رويدا رويدا عن زخم آدائها لواجباتها لما تواجهه من تحديات وإجراءات مثبطة للعزيمة .. وتلك المؤسسات تعلم يقينا بأنها لن يكون بمقدورها أن تنجح في مهامها ، في خضم هذا الوضع الاقتصادي المتدهور .
يجب أن لا نكابر بالمحسوس ، ويجب أن نعترف بذلك صراحة ، فكلٌ منا يحس به ويراه حقيقة لا مراء فيها ..
مالذي دهى الحكومة ، ومن الذي دفعها إلى التردي والانزلاق بهذه الأوحال نتيجة قرارات جائرة ظالمة ؟ وما الجبن والخنوع الذي أصابها في تعاملها مع المفسدين الذين باعوا مؤسسات الوطن ومقدراته بثمن بخس .. ؟ المفسدون حينما تستدعيهم العدالة ، يبدو واضحا بأنهم من أضعف خلق الله .. بعد أن كانوا على رأس الهرم وفي قمة المسئولية ابان الحكومات البائدة .
إنني أتمنى على رئيس الوزراء بالذات وعلى الحكومة أن يبادروا جميعا إلى حل مشكلة المتقاعدين العسكريين بشكل خاص ، ومشكلة الاقتصاد الأردني بشكل عام ، لتبقى حالتنا الاقتصادية في قمة نشاطها ، وفي أوج عطائها ، لأن السوق المحلية باتت تتراجع أمام الابتزاز المادي والقيود التي تفرضها الحكومة على المؤسسات ، بدل أن تمنحهم الفرصة والحرية ، وتشجعهم على مزيد من العطاء ، لتمضي كل الجهات المختصة باقتصادنا نحو التقدم والازدهار .
وأما مشكلة المؤسسات المباعة ، وعلى رأسها مؤسسة الفوسفات . يتوجب عليكم يا دولة الرئيس السعي لحل هذه المشكلة حلا جذريا ، وإعادة مقدرات الوطن كلها للوطن ، فإن لم تستطيعوا ، فلا مجال للمماطلة أو المواعيد التي لا تفيد ولا تسمن ولا تغني من جوع ... وبهذه الحالة يجب على الحكومة أن ترحل بفشلها ومماطلتها لتخلي المجال لمن يتبوأ الصدارة في قدراته على حل المشاكل كلية لا جزئية ، وذلك خير ألف مرة من أن تبقى جاثمة على جراح هذا الوطن وهي تنزف وتنزف ، إلى أن تبلغ مرحلة لا يمكن معها أن تعود إلى صحتها ، أو تمكن بلدنا من النهوض من تحت الرماد ....
أنا أكتب هذا المقال .. ولا أطلب أبدا من أي مواطن يطلع عليه .. ليكيل لي الثناء والمديح أو يقدم لي النياشين والأوسمة .. فوسامي هو عملي وسمعتي وإيماني بوطني وبقيادتي الهاشمية وهذا يكفيني شرفا.. فأنا أدون هنا حقائق يجب أن تصل إلى مسامع وفكر دولة رئيس الوزراء وكل الوزراء والأعيان والنواب .. بل وكل المسئولين من مدنيين وعسكريين ، وعليهم والله كل المسئولية بأن يتوخوا العدل والمساواة في تعاملهم مع مرؤسيهم كافة ... وأن لا يضعوا بحسبانهم تلك التفرقة العمياء .. هذا جنوبي وهذا شمالي .. فالوطن برمته لم يبلغ أبدا حارة من حارات الدول المجاورة على مستوى الشرق الأوسط .. ولا يستحق من رجالاته كل هذا التعصب الأعمى المَقيت .. والسلام ...