عدالة دولية... مع وقف التنفيذ

عدالة دولية... مع وقف التنفيذ
د. حسن أبو طالب
أخبار البلد -  

حين وضع الآباء المؤسسون منظومة الأمم المتحدة، كانت المشكلة الفلسفية الكبرى تتعلق بكيفية منع النزاعات بين الدول أن تتطور إلى وضع ينذر بكارثة حرب كبرى، تعيد أهوال الحرب العالمية الثانية. تمثل الحل في إنشاء محكمة عدل دولية كجهاز قضائي دولي ينظر في الأزمات التي تنشأ بين الدول، تلجأ إليه الأطراف بغية استعادة حقوقها المكفولة في ميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية الجماعية ذات الصلة، ويقدم الاستشارات القانونية للدول، ويفسر مبادئ في المعاهدات الدولية محل النزاع بين الدول... وتصدر قراراتها للسيطرة على تطور النزاعات ومنع تفاقمها، ومحاسبة المخالفين لميثاق الأمم المتحدة، وتأمين حقوق الأطراف المستضعفة، ومن ثم الحفاظ على استقرار المنظومة الدولية.


ومنذ إنشائها نظرت المحكمة كثيراً من القضايا وأصدرت 147 قراراً. ولا يتضمن النظام الأساسي للمحكمة سُبل وكيفية تنفيذ أحكامها النهائية، ويشير فقط في المادة 41 إلى سلطة المحكمة في اتخاذ تدابير مؤقتة للحفاظ على الحقوق الخاصة بأي من الطرفين المتنازعين، إلى أن يتم اتخاذ القرار النهائي، وفى كل الأحوال يتم إبلاغ الأطراف ومجلس الأمن بالتدابير المقترحة، ولا يوجد ما يُلزم مجلس الأمن الدولي تحويل تلك التدابير المؤقتة إلى قرارات ملزمة لطرفي النزاع. وفي المادة 59 مبدأ صريح بأنَّه «ليس لقرار المحكمة قوة ملزمة إلا بين الطرفين، وفيما يتعلق بهذه القضية بالذات»، أما الأحكام فهي نهائية وغير قابلة للاستئناف وفقاً للمادة 60.

وعلى هذا النحو يُعد الالتزام الطوعي للأطراف المتنازعة هو الأساس، ولا تملك المحكمة قوة إلزامية خاصة بها تفرض الالتزام على الأطراف المعنية المُخالفة. ومن ثم تُتاح عملياً فرصة كبرى لتجاهل القرارات المؤقتة من أحد الأطراف، والالتفاف عليها كأنَّها لم تكن بالنسبة له، مما يُضعف دور المحكمة ويجسد المشكلة الأبدية للقانون الدولي، وهو غياب آلية تنفيذ تتبع المحكمة، ذات صفة قهرية، وتخضع لها الدول حال توصلت المحكمة إلى قرار مؤقت، أو حُكم بات في قضية ما.

هذان البعدان القانوني والعملي تستغلهما إسرائيل خير استغلال، فلا توجد قوة ملزمة، ولا تعني التدابير المؤقتة شيئاً بالنسبة لها، بل واتخاذ إجراءات فعلية تتجاوز ما طُلب وقفه، والامتناع العمدي عن تنفيذها. وتبرز هنا التدابير الخاصة التي قررتها المحكمة في يناير (كانون الثاني) الماضي، بإتاحة الفرصة لفرق التحقق الدولية والأممية مما يجري على أرض المعركة، وله صلة بادعاءات الإبادة الجماعية، والحفاظ على الأدلة ومنع التلاعب بها. وكلها لم تجد النور أبداً. وتطور الأمر إلى تسفيه قرارات المحكمة وتحديها بمزيد من الأعمال القتالية المطلوب الحد منها، كما حدث فعلاً في رفح، واعتبارها الرد المناسب على قرارات المحكمة. ويبرع الحلفاء الأميركيون لإسرائيل من المشرعين في الكونغرس، ومسؤولون في الإدارة في اعتبار المحكمة مؤسسة - رغم كونها دولية وجزءاً مهماً من منظومة الأمم المتحدة - مُذنبة في حق إسرائيل، وأنها لا تملك أي صلاحية لفرض تدابير أو التزامات محددة على تل أبيب وجيشها المحتل، لا من حيث وقف القتال، أو توفير متطلبات الحياة للفلسطينيين، والحفاظ على ممتلكاتهم العامة والخاصة، ومن ثم ينتهون إلى وجوب مُعاقبة المحكمة وفرض عقوبات على قضاتها، في سابقة تاريخية تعصف بمبدأ العدالة في النظام الدولي، وتُظهر قدراً من الاستعلاء السياسي المناقض لكل القواعد القانونية الحضارية، ولكل ما يتم الادعاء به في أبواق الغرب كقواعد للإنصاف واستقرار المنظومة الدولية. مع ملاحظة أنَّ ثمة ميلاً لدى بعض مراكز القرار الأوروبية بالالتزام بما تقره المحكمة الدولية، على نقيض تام مع ما تمارسه واشنطن.

الضغوط التي تُمارس على قضاة المحكمة بهذا الشكل غير المسبوق، تثير بدورها إشكاليات عديدة؛ أبرزها مدى اليقين لدى الدول والشعوب في وجود مبدأ العدالة الدولية ذاته، كأحد أسس الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار الدولي، ومدى الثقة في أن مؤسسات النظام الدولي قادرة على حفظ الحقوق المكفولة في ميثاق الأمم المتحدة، لا سيما للأطراف الضعيفة والمستضعفة، وثالثاً مدى الالتزام بما تصدره المحكمة من تدابير وإجراءات وأحكام نهائية غير قابلة للاستئناف. وفي المحصلة الكلية تغيب الثقة وتبحث الدول والمجتمعات عن وسائل أخرى، غير قانونية وغير سلمية للحصول على حقوقها وحماية شعوبها.

من اليسير نظرياً الادعاء بأنَّ معالجة قصور دور المحكمة الدولية يمر عبر تعديل نظامها الأساسي، من خلال قرارات تصدرها الجمعة العامة للأمم المتحدة ويتبناها مجلس الأمن الدولي بما يجعل قرارات المحكمة وأحكامها ذات طبيعة إلزامية تلقائياً، مع ضوابط لمحاسبة الممتنعين، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.

المؤكد أنَّ هذا التصور طموح للغاية، ومجمل الوضع الدولي لا يسمح بأي خطوة على النحو المتصور، والنتيجة المؤكدة أن تظل قرارات المحكمة ذات طبيعة معنوية بالنسبة لأطرافها، من يجدها تصب في تأكيد حقوقه دون قابلية للتطبيق، ومن يجدها مجرد قرارات وتدابير لا تعني شيئاً ويمكن تجاهلها. وما يجري في غزة يجسد هذه الإشكالية على نحو فج وممجوج.
شريط الأخبار "إدارة الأزمات" تحذر من مخاطر عدم الاستقرار الجوي خلال الـ48 ساعة القادمة "النقل البري": إلزام سائقي التطبيقات الذكية بالضمان الاجتماعي قيد الدراسة (43 %) من متقاعدي الضمان تقل رواتبهم عن 300 دينار استقالة عكروش من رئاسة الجامعة الأمريكية في مأدبا غوغل تكشف أبرز مواضيع بحث الأردنيين في 2025 استعادة 100 مليون دينار سنويا عبر التحقيقات وملاحقة قضايا الفساد مراسم الاستقبال الرسمي لبوتين أمام القصر الرئاسي في نيودلهي (فيديو) حفل سحب قرعة كأس العالم 2026 اليوم أجواء لطيفة اليوم وغير مستقرة غداً وفيات الأردن اليوم الجمعة 5/12/2025 "شيطان يطاردني منذ 7 أكتوبر.. فعلت أشياء لا تغتفر": ضابط إسرائيلي في لواء غفعاتي ينتحر بعد اجتماع ديسمبر.. الفدرالي الأميركي يستعد لثمانية اجتماعات حاسمة في 2026! وزير العمل: شبهات اتجار بالبشر واستغلال منظم للعمالة المنزلية الهاربة اتفاق أردني سوري لإنعاش الأحواض الشمالية قريبا هيئة النزاهة: استعادة 100 مليون دينار سنويا عبر التحقيقات وملاحقة قضايا الفساد حماس: نتوقع حدوث محاولة اغتيال في دولة غير عربية انخفاض سعر صرف الدولار إلى ما دون 76 روبلا للمرة الأولى منذ 12 مايو 2023 آخر موعد للتقديم على المنح والقروض من "التعليم العالي" وزارة اردنية الافضل عربيا من هي ؟ العراق يتراجع عن إدراج حزب الله والحوثيين على قوائم الإرهاب