لا تختلف كرة القدم أبدًا عن كل شيء محيط في حياتنا اليومية، حيث تقبل التطور للأفضل وتؤثر فيها التكنولوجيا يومًا بعد يوم، سواء على النواحي الفنية والبدنية أو على شكل اللعبة وقوانينها.
وكان التغيير الأبرز في عالم كرة القدم منذ أكثر من 30 عامًا، هو دخول تقنية الفيديو التي استحدثها الاتحاد الدولي لكرة القدم خلال الأعوام الخمسة الماضية، من أجل مزيدٍ من الشفافية والدقة في اتخاذ القرارات التحكيمية.
وتقوم تقنية حكم الفيديو المساعد على مراجعة القرارات التي يتخذها حكم المباراة باستخدام لقطات فيديو وسمّاعة رأس للتواصل مع الحكم المُساعد عندَ الضرورة، وهو ما أسهم بشكل واضح في تصحيح أخطاء مباشرة للحكام ولولاها لتغير مسار بطولات كبر
مورينيو ينكأ الجُرح
ظن البعض أنه بعد 5 أعوام من تحول تقنية (VAR) إلى شيء أساسي في مباريات كرة القدم، ستنتهي الحالات الجدلية في التحكيم، في ظل وجود فرصة ثانية لتصحيح الخطأ البشري، لكن على النقيض ظهرت الكثير من الأصوات المطالبة بإلغاء هذه التقنية!
ولم تكن هذه الأصوات من مشجعين أو أشخاص مجهولين، بل من مدربين كبار مثل الألماني يورجن كلوب وفرق لها ثقل في دوريات عالمية مثل وولفرهامبون الإنجليزي.
في نفس السياق، كعادته فتح المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو، الجرح وتحدث بمنتهى الصراحة عن دعوات إلغاء الـ(VAR)، حيث أكد أنه غير سعيد بطريقة استخدام التقنية في ملاعب كرة القدم، خلال السنوات الماضية.
وأوضح: "إذا كنت حكمًا في غرفة مُظلمة مع بعض الشاشات، تعرف كيف تفعلها (تتلاعب في القرار)، إن كانت هدفًا أم لا، إن كانت تسللًا أم لا، لذلك إن كنت مشجعًا للاتحاد تُسرع اللقطة قليلًا، وإن كنت مشجعًا للهلال تؤخر اللقطة قليلًا".
ثورة البريميرليج
باعتباره الدوري الأكثر متابعة وقوة حول العالم، كان البريميرليج صاحب الصخب الأكبر فيما يتعلق بتقنية الفيديو، حيث شهد الموسم المنصرم (2023-2024) كثيرًا من الأحداث المثيرة، مما أدى إلى زيادة انتقادات تقنية الفار، ودفع بعض الفرق والمشجعين للتشكيك في نزاهة المنافسة.
وستجري أندية الدوري الإنجليزي تصويتًا في اجتماعها السنوي خلال شهر يونيو المقبل، حول مقترح بإلغاء نظام حكم الفيديو المساعد (VAR) اعتبارًا من الموسم المقبل.
واستخدم الفار في الدوري الإنجليزي الممتاز منذ عام 2019 كي يساعد على تحسين عملية صنع القرار، لكنه أيضاً يثير جدلًا مستمرًا، وهو ما دفع فريق وولفرهامبتون بطلب رسمي إلى رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز، يدعو إلى إلغاء تقنية الفار هذا الصيف، من خلال التصويت عندما يجتمع ممثلو الأندية في اجتماعهم السنوي يوم 6 يونيو المقبل.
كلوب لا ينسى جرح ليفربول
والغريب أن مدربين كبار بحجم يورجن كلوب، أيدوا هذا المقترح، رغم أن الألماني واحد من مئات المستفيدين من تواجد هذه التقنية التي تدخلت لصالحه كثيرًا، لكنه أيضًا لا ينسى اللقطة التاريخية أمام مانشستر سيتي عندما حرمته التكنولوجيا من احتساب هدف كان سيغير مسار لقب الدوري الإنجليزي قبل موسمين من معقل السيتي إلى خزانة الآنفيلد.
في القابل، رد المتحدث الرسمي باسم الدوري الإنجليزي: "يمكن للدوري الممتاز أن يؤكد أنه سيسهل مناقشة تقنية الفار مع أنديتنا في الاجتماع العام السنوي الشهر المقبل. يحق للأندية تقديم مقترحات في اجتماعات المساهمين، ونحن ندرك المخاوف والقضايا المتعلقة باستخدام التقنية".
وأوضح: "مع ذلك، فإن الدوري الإنجليزي يدعم بشكل كامل استخدام الفار، ويظل ملتزمًا جنبًا إلى جنب مع مركز التحكيم بإجراء تحسينات مستمرة على النظام لصالح اللعبة والمشجعين".
الليجا يدفع الثمن غاليًا!
لم يتوقف الأمر عند البريميرليج، حيث كان الدوري الإسباني مشتعلًا ضد تقنية الفيديو خصوصًا في مباراة الكلاسيكو الأخيرة، بعد الهدف الملغى للاعب برشلونة لامين يامال المثير للجدل حيث لم ينجح "الفار" رغم كم الكاميرات المتواجدة في الملعب حسم الجدل بشأن كرة تجاوزت الخط من عدمه.
وفتح رئيس برشلونة جوان لابورتا، النار على التحكيم في الدوري الإسباني، بعد إلغاء هدف برشلونة في الكلاسيكو، إلا أن الرد كان حاسمًا من الحكام بأن الكرة بالفعل لم تكن واضحة من أي كاميرا وأن عدم استعانة رابطة الليجا بتقنية خط المرمى في المسابقة، هو من حرم برشلونة من الحصول على قرار حاسم.
وهذا الموقف يكشف بمنتهى الوضوح أن دخول التكنولوجيا في اللعبة يضيف المزيد من الدقة في اتخاذ القرار، مهما كان الأمر يكلف الكثير من الوقت في المباريات، إلا أنه في النهاية يمنح صاحب كل حق حقه.
الفيفا يتحدى بمزيد من التكنولوجيا
رغم هذه العاصفة القوية تجاه تقنية الفيديو، إلا أن الاتحاد الدولي "فيفا" يقف صامدًا ويتقدم نحو إدخال المزيد من التكنولوجيا على عالم كرة القدم، ظهر ذلك جليًا من خلال الدعم الذي قدمه جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد.
وأكد إنفانتينو خلال اجتماع "كونجرس فيفا"، إجراء تعديلات جديدة لتطوير تقنية الفيديو المساعد (الفار)، خلال المرحلة المقبلة، وتتمثل في الاستعانة بنظام "عين الصقر" المستخدم في رياضة التنس.
وتأتي هذه الخطوة للردّ على الانتقادات الكبيرة، التي أثارتها التكنولوجيا منذ الاعتماد عليها قبل عدة سنوات.
وقال إنفانتينو: "لقد تم إنشاء تقنية أكثر بساطة، مع وجود عدد أقل من الكاميرات، كما ستكون متاحة بالنسبة للجميع، النظام قيد الاختبار بالفعل، وهو يشبه النظام المستخدم في رياضة التنس، إذ يمكن لكل مدرب من الفريق أن يطالب بتدخل تقنية الفار في مناسبتين فقط"، مع أنه لم يحدّد إن كان ذلك في كل مباراة أو خلال الشوط.
اللصوص أكبر أعداء لتقنية الفيديو
كل الأصوات المعادية لتقنية الفيديو، ليست على قدر كبير من الإقناع للجمهور، خصوصًا أن الفار نجح في آلاف المواقف الصعبة بمنح الحق لأصحابه وإنقاذ الحكام من اتهامات بالتحيز والظلم.
وفي هذا السياق، حذرت تقارير إعلامية عن سلبيات إلغاء "الفار"، مشيرة إلى أن ذلك سيزيد عدد الأخطاء في كل مباراة، متسائلة عما سيفعل هؤلاء الذي توقفوا عن تطوير أنفسهم من الحكام وتركوا عملهم لتقوم به تقنية الفيديو، وكيف سيتأثر حكمهم على كرات واضحة توقفوا عن حسم أمرها من بعد ظهور التقنية.
ونشرت صحيفة "آس" بعد نهاية الليجا في موسم (2022-2023)، التي فاز بها برشلونة بفارق عشر نقاط عن ريال مدريد، تقريرًا أظهر أن لولا تقنية الفيديو لحصل ريال مدريد على الدوري بفارق نقطتين عن برشلونة.
وأكدت تقارير أخرى أن تقنية الفيديو أتت ببعض المشاكل لكنها جاءت بحلول أكثر في السنوات الماضية، داعية لتطوير التقنية وليس إلغاءها.