تتعاقب السنين في رحيل دائم ، سنة تلو السنة على غيابك يا أمي ولا زال حلمي اليتيم بان ارك ثانية ولو في المنام .
كم كانت قاسية تلك الايام بعد رحيلك ، فلا زالت الذكريات تحلق في خاطري تصول وتجول ولا تعرف لي عنوان للإستقرار !
تحولت الأمكنة بعدك يا أمي، وأصبحت قاسية مريرة، تتقاذفنا امواج بحرها في كل اتجاة دونما مرفئ دافئٍ كحضنك، و دونما عنوان للآمان والسكون والحنان .
افتقدك على مدار الوقت يا قديستي، افتقدت نصحك الذي اعتدت بان اسمعه منك قبل ان تفارقي هذة الحياة وترحلي الى من هو العادل الرحمن الرحيم.
يطالعني طيفك الحنون صبح مساء، لا تفارقني روحك التي بقيت لصيقة بي تحميني وتذود عني كأنني ما زلت طفلٍ صغير، طفلُ لا يريد أن يتخلى عن طفولة كنتِ أنتِ عالمه وامنياته.
أمي .. لقد تغيرت ملامح الكرة الارضية العربية ، و تاهت الشعوب بين تخبط وضياع وطلب الاستقرار، كلٌ يدور حول نفسه محاولا البحث عن الافضل والأكثر حياة، ولكن لكل منا قصتة وأهدافة .
منا من يحاول ان يركب الموج لكي يثبت للعالم بانة موجود
واخر لا يعرف ان استقر بة طوفان الحقيقية
واخر مصدوم لا يصدق ما يحدث
واخر يحاول جاهدا بان يقلد
واخر يزعم بان الخلاص لا ياتي الا عبر قنواته
اصبحنا في عالم ملئي بالتناقضات و المهاترات والاستهتار
عالم انتهازي لا يؤمن بالقيم ، إذ لا قيمة لشيء فية سوى المادة والمنفعة والتكسب، حتى وصل بنا الحال لتبجيل الفاسد والفساد وتبرأة ساحته من حقوق الوطن والناس .
اصبح الوطن يا أمي أرخص ما نملك .. وان تمزقت اشلاءه اربا اربا
اصبح الوطن تلك الاغنية الحزينة الموشحة بالسواد ، وانقلبت الموازين يا امي بكل المقايس
فهذا وطن جريح ينزف دون ان تمتد له يدُ طبيب ، لقد قتله أبناؤه وعن سابق عمدٍ وترصد !
ابكي يا امي .. فما عدنا نستحق العيش في وطن لا نستطيع أن نحميه من غول الظلم والفساد .. نعم هذه هي الحقيقية القابضين عليها كالقابض على جمر الوجع.
ازعجتك في قبرك امي .. لكن لمن أشكي وجعي، فلم نعد اليوم نستطيع أن نحاور البلغاء ابدا ولا العقلاء أو حتى الجهلاء ابدا ابدا ، الجميع صمَ أذنيه عن حوار الحياة والفضيلة، وتشبث بقشورٍ لا تسمن ولا تغني من جوع، وعلى حساب الوطن !
قد استطيع محاور الاموات
صم الناس امي ادانهم عن النداء
يريدونها ارضا بلا سماء
هل لك ان تنصحي لي في يوم الام من قبرك
قد يفهم الاحياء النصيحة
ليس من المنطق بان نقبل ما يحدث في بلدي
كم ضحى اهله من اجله
كم تغيرت المفاهيم والقيم
استطاع عدونا ان يزرع فينا الفتن
ما عدنا نملك ادنى درجات الحب ولا الالم
هذا حالنا امي .. كيف لي ان احتفل بعيدك ودمي يُنتهك وعرضي يغتصب وجسدي ممزق اشلاء ولا من معتصم !
في كل الجوانب مطعون انا ، والدم ينزف ولا مجير ..
سامحيني امي واعذريني ، وانا الذي يعلم لو انك موجودة لمتِ قهرا على هذا الوطن ، وأنتِ من علمتني أن لا أرض كما الوطن، وان لا عيدا كعيد الوطن الذي زفت له يوم "الكرامة" شهداء انقياء كانوا عنوانً أصيلا لنا ، فهل هذا آخر ما تبقى لنا من الوطن دماء شهدائه ؟
ليرحمك الله والدتي الحبيبة ، ولن كتب الله لك صلاة في قبرك .. ارجوك يا امي خصي بدعائك ارض الوطن !