يتجه الاتحاد الأوكراني لكرة القدم لاتباع نهج غير اعتيادي يحمل تغييرات جذرية في عالم كرة القدم من أجل تحسين معايير التحكيم ومحاربة الفساد التحكيمي، من خلال التوجه نحو استخدام جهاز كشف الكذب للحكام قبل مباريات الدوري المحلي.
جهاز كشف الكذب للحكام في الدوري الأوكراني
وبحسب ما نقله موقع The Athletic القسم الرياضي في صحيفة نيويورك تايمز، فإنّ الاتحاد الأوكراني لكرة القدم بقيادة رئيسة الجديد أندريه شيفتشينكو، قد اتخذ إجراءً جديداً جذرياً لإخضاع حكام الدوري لاختبارات كشف الكذب.
وبحسب الموقع ذاته، فإنّ الاتحاد الأوكراني لكرة القدم قرر استخدام هذه التقنية من أجل تجنب اتهامات التحيز للأندية وتحسين معايير التحكيم، بالإضافة إلى القضاء على الفساد والرشوة والتلاعب بنتائج المباريات.
لا سيما أنّ مثل هذه القضايا باتت شهيرة في دولة أوكرانيا، وقد أفسدت الرياضة في البلاد لسنوات عديدة يعود تاريخها إلى حقبة الاتحاد السوفييتي.
كما قام الاتحاد الأوكراني لكرة القدم أيضاً بإجراء تغيير حديث في طريقة تعيين الحكام لقيادة مباريات الدوري، وبشكل يخالف المتعارف عليه في كبرى دوريات كرة القدم في العالم، مثل الدوري الإنجليزي والإسباني والألماني.
ففي الدوريات الكبرى يتم تحديد الحكام لقيادة المباريات بشكل مسبق ولفترة طويلة، في حين أنّ الاتحاد الأوكراني سيقوم الآن بتحديد الحكام للمباريات بشكل أسبوعي من قبل لجان محلية متخصصة بالحكام.
والهدف من هذا التغيير هو منح الحكام الأفضل أداءً، خلال مباريات الأسبوع، فرصة قيادة عدد أكبر من المباريات وتقليل أعداد المباريات للحكام الذين يخطئون بكثرة.
كما سيقوم الاتحاد الأوكراني لكرة القدم بداية بتعيين حكام مباريات الدوري لكرة القدم بشكل عشوائي، أي على نظام "القرعة"، في حين لا يزال هذا النظام الجديد قيد التجربة حالياً.
ويبدو أنّ هذه الخطوة الأخيرة قد اقتبست من الدوري الإيطالي في موسم 1984-1985، عندما قام الاتحاد الإيطالي لكرة القدم ولموسم واحد فقط بتعيين الحكام بشكل عشوائي لإدارة المباريات.
وكان ذلك جزءاً من محاولة الاتحاد تنظيف صورة الدوري في البلاد بعد العديد من محاولات التلاعب بالنتائج، وقد حمل هذا الدوري معه مفاجأة بتتويج نادي فيرونا بالسكوديتو الوحيد في تاريخه.
وفي حين أن الاختيار العشوائي قد يكون خطوة غير عادية، فإن أجهزة كشف الكذب هي التي تلفت الأنظار.
شيفتشينكو: جهاز كشف الكذب لمعرفة الحكام الذين يمكن العمل معهم
من ناحيته قال أسطورة ميلان وتشيلسي السابق ورئيس الاتحاد الأوكراني لكرة القدم الحالي أندريه شيفتشينكو: "إننا نعتبر جهاز كشف الكذب فرصة للحصول على مزيد من المعلومات لفهم أي الحكام يمكننا العمل معهم وأيهم لا يمكننا العمل معهم، نريد أن نبدأ الآن فتح صفحة جديدة في تاريخ دوري كرة القدم".
فيما أكد شيفتشينكو أيضاً أن أي شخص يفشل في اجتياز جهاز كشف الكذب لن يُسمح له بتحكيم المباريات بعد الآن.
أفضل حَكَمة في العالم عام 2015 ستشرف على اللجنة
ونظراً لتاريخ أوكرانيا الحافل بالفساد، فإن دوره يشكل أهمية كبيرة فيما يتصل بثقة الجمهور، نظراً لمكانة شيفشينكو التي لا مثيل لها في كرة القدم والمجتمع هناك.
ومن الشخصيات المحورية الأخرى كاترينا مونزول، الحَكَمة السابقة التي أصبحت الرئيس الجديد للجنة الحكام في الاتحاد الأوكراني لكرة القدم، والتي سوف تشرف هذه اللجنة على إجراءات كشف الكذب واختيارات القرعة العشوائية، بحسب ما أكده الموقع الرسمي للاتحاد الأوكراني لكرة القدم على الإنترنت.
وقد جاء اختيار مونزول لكونها أفضل حَكَمة في العالم عام 2015، ولكونها تتمتع بمسيرة تحكيمية متميزة أدارت خلالها 3 بطولات لكأس العالم للسيدات.
كما كانت أول امرأة تحكم في الدوري الأوكراني الممتاز لكرة القدم، وكذلك في تصفيات كأس العالم، والدوري الأوروبي ومباريات دوري الأمم للرجال أيضاً.
ما الأسئلة التي يتوقع أن تُسأل للحكام خلال جلسة جهاز كشف الكذب؟
إن تكرار اختبارات كشف الكذب أو الأسئلة التي سوف يتم طرحها خلالها لا تزال محاطة بالسرية تماماً من قبل الاتحاد الأوكراني.
وقال الاتحاد الأوكراني لكرة القدم إنه إذا تم الكشف عن تفاصيل محددة حول العملية، فقد يؤثر ذلك سلباً على الجلسة.
في حين تشير التقارير في أوكرانيا إلى أن العديد من الحكام قد خضعوا بالفعل لاختبارات واجتازوها جميعاً، وقيل إنه سوف يتم أيضاً اختبار الحكام المساعدين ومراقبي الحكام.
في حين يعتقد بعض الحكام، لا سيما الحكم الأوكراني السابق في الفيفا ميروسلاف ستوبار، أن هذه العملية ستكون خطوة إيجابية لكرة القدم في أوكرانيا، وستجعلها أكثر عدالة.
كرة القدم في أوكرانيا.. تاريخ حافل بالفساد
كانت دولة أوكرانيا التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي سابقاً، من أكثر الدول المشهورة بالفساد التحكيمي والتلاعب في نتائج مباريات كرة القدم والرشوة، لعقود من الزمن.
ففي عام 1995، تم طرد دينامو كييف الذي يعتبر من أعرق الأندية الأوكرانية من دوري أبطال أوروبا بعد اتهامه بمحاولة فاشلة لرشوة حكم إسباني قبل مباراة ضد نادي باناثينايكوس اليوناني.
ثم في عام 2013، لقي نفس المصير فريق ميتاليست خاركيف بعد التحقيق في التلاعب بنتائج المباريات في مباراة بالدوري الأوكراني قبل 5 سنوات.
وكانت تلك المباريات عرضة لمحاولات مزعومة للتلاعب بنتائج المباريات لأغراض رياضية، ولكن في السنوات الأخيرة أصبحت فضائح المراهنات أكثر وضوحاً، حيث تم وضع رهانات كبيرة على المباريات، ما أثار الشكوك.
وفي عام 2018، قاد وزير الداخلية الأوكراني تحقيقاً اتهم 35 نادياً في البلاد بالتورط في عملية واسعة النطاق للتلاعب بنتائج المباريات قيل إنها تدار من قبل 5 عصابات إجرامية، وتضم الملفات 328 شخصاً و57 قضية تلاعب بنتائج المباريات.
فيما يُزعم أن الوسطاء يحصلون على ما يقرب من 4 ملايين يورو (3.41 مليون جنيه إسترليني – 4.27 مليون دولار) سنوياً من خلال المراهنة في دول آسيا على نتائج كرة القدم الأوكرانية المحددة مسبقاً، فيما لا تزال نتيجة هذا التحقيق غير معروفة.
أجهزة كشف الكذب شائعة في أوكرانيا!
في أوكرانيا، تعتبر أجهزة كشف الكذب شائعة الاستخدام؛ إذ يتم استخدامها في كثير من الأحيان في المحاكم، فيما تشكل بانتظام جزءاً من المقابلات الوظيفية للمهن الحساسة، لا سيما في الجيش وإنفاذ القانون وحتى الخدمات المصرفية.
ويعتقد أنّ الهوس في استخدام أجهزة الكذب في أوكرانيا جاء بسبب الهوس الشعبي ببرنامج تلفزيوني روسي يسمى "Love For Survival"، والذي يستخدم أجهزة كشف الكذب لمحاولة تحديد ما إذا كان الأشخاص قد خدعوا شركاءهم.
ما هو جهاز كشف الكذب؟ وكيف يعمل؟
ولمن لا يعرف، فإن جهاز كشف الكذب، هو جهاز أو إجراء علمي يقيس ويسجل العديد من المؤشرات الفسيولوجية مثل ضغط الدم والنبض والتنفس وموصلية الجلد أثناء سؤال الشخص عن سلسلة من الأسئلة والإجابة عليها.
الاعتقاد الذي يقوم عليه استخدام جهاز كشف الكذب هو أن الإجابات الخادعة ستنتج استجابات فسيولوجية يمكن تمييزها عن تلك المرتبطة بالإجابات غير الخادعة؛ ومع ذلك، لا توجد ردود فعل فسيولوجية محددة مرتبطة بالكذب، ما يجعل من الصعب تحديد العوامل التي تفصل بين أولئك الذين يكذبون وأولئك الذين يقولون الحقيقة.
وبحسب ما نقله موقع HowStuffWorks التقني الأمريكي، فإنّ جهاز كشف الكذب يعمل من خلال ربط 4 إلى 6 أجهزة استشعار بجسم الإنسان، لتسجيل الإشارات المتعددة التي تسمى "بولي".
تسجل أجهزة الاستشعار عادة ما يلي:
معدل تنفس الشخص
نبض الشخص
ضغط دم الشخص
عَرَق الشخص
في بعض الأحيان، يقوم جهاز كشف الكذب أيضاً بتسجيل أشياء مثل حركة الذراع والساق.
عندما يبدأ اختبار كشف الكذب، يُسأل السائل 3 أو 4 أسئلة بسيطة لتحديد معايير إشارات الشخص.
ثم يتم طرح الأسئلة الحقيقية التي يتم اختبارها بواسطة جهاز كشف الكذب.
أثناء الاستجواب، يتم تسجيل جميع إشارات الشخص على الورقة المتحركة.
أثناء الاختبار وبعده، يستطيع فاحص جهاز كشف الكذب إلقاء نظرة على الرسوم البيانية، ويمكنه معرفة ما إذا كانت العلامات الحيوية قد تغيرت بشكل ملحوظ في أي من الأسئلة.
بشكل عام، يشير التغيير الكبير (مثل تسارع معدل ضربات القلب، ارتفاع ضغط الدم، زيادة التعرق) إلى أن الشخص يكذب.
عندما يستخدم فاحص مدرَّب جيداً جهاز كشف الكذب، يمكنه اكتشاف الكذب بدقة عالية.
ومع ذلك، نظراً لأن تفسير الفاحص غير موضوعي، ولأن الأشخاص المختلفين يتفاعلون بشكل مختلف مع الكذب، فإن اختبار كشف الكذب ليس مثالياً ويمكن خداعه.
في حين تبلغ الدقة المقدرة لاختبار كشف الكذب 87% فقط.