قبل أسبوعين قرأت على صفحات «الشرق الأوسط» أن المستثمر أنتوني جابين اشترى قبراً بجوار مرقد مارلين مونرو في بيفرلي هيلز بكاليفورنيا التي يقطن بها المئات من نجوم هوليوود، وتتزين ببصماتهم في كل مكان، وبها أيضاً المثوى الأخير لهم. دفع المستثمر الثري 195 ألف دولار بعد أن دخل في مزاد علني، مع حالمين آخرين بأن يجتمعوا بجوارها في العالم الآخر، معتقدين أن الخطوة الأولى تبدأ باختيار موقع القبر.
كل شيء يخضع لقانون العرض والطلب، الرجل دفع هذا المبلغ، ولم يلتقِ في حياته مع نجمته المفضلة التي رحلت قبل ميلاده، بعد أن عاشت على هذه الأرض 36 عاماً، وحققت قفزة جماهيرية غير مسبوقة، ولا تزال في أوج بريقها، وهدفاً لكل القصص والحكايات التي لا تنتهي، كانت حياتها مغرية بتقديم العديد من الأعمال الدرامية، قُدمت عنها أفلام، وسنرى أخرى، كالعادة هناك عشرات من الحكايات الموثقة، تقابلها المئات من الحكايات التي لعب فيها الخيال الجامح دور البطولة.
من الممكن أن نجد خطاً فاصلاً بين النجوم والأساطير، النجوم في كل مجال بالعشرات، بينما الأساطير لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة. المؤكد أن مونرو في قائمة الأساطير، ومن أهم علاماتها أن الحديث عن الأساطير لا يتوقف بعد الرحيل، بل يزدادون حضوراً وكأنهم يتنفسون بيننا.
الحياة القصيرة التي عاشها بعضهم تساعد على احتفاظ الصورة الذهنية لهم بنضارة شباب أبدية. لدينا مثلاً جيمس دين، وناتالي وود، وإلفيس بريسلي، والمعادل العربي لبريسلي عبد الحليم حافظ، رحل الاثنان في العام نفسه، وإن كان عبد الحليم يسبقه في الميلاد بنحو 6 سنوات، لا يزال عبد الحليم بكل مقتنياته التي يحتفظ بها الورثة، والمطلوبة في العديد من المعارض، وبينها آخر جواز سفر للعندليب، والغريب أن الجواز تنتهي صلاحيته في 30 مارس (آذار) 1977، وهو تحديداً تاريخ رحيله، ورثة عبد الحليم ينفذون وصيته بأن يظل بيته في حي الزمالك مفتوحاً لكل عشاقه ومريديه في يوم ذكراه، بين الحين والآخر يتناول الإعلام حكايات تتردد عن الأساطير، مثلما قالت عائلة عبد الحليم إنهم عندما اضطروا إلى نقل رفاته من المقبرة التي ووري فيها جسده في التراب بسبب تعرض الأرض لمياه جوفية اكتشفوا أن جسده لم يتحلل، وهذه قطعاً حكاية لعب فيها جموح الخيال دور البطولة، الورثة من فرط خضوعهم لهذا الإحساس شعروا وكأنهم يشاهدون وجه عبد الحليم وجسده قبل 47 عاماً.
ما قاوم الفناء حقيقة، هي أغنياته التي لا تزال هدفاً للعديد من المطربين الذين يعيدون تقديمها، فرصيد إنتاجه لا يتجاوز 250 أغنية تحقق حتى الآن أرقاماً مرتفعة في كثافة المشاهدة على «الإنترنت».
كانت مارلين، واسمها المدون في الأوراق الرسمية نورما جين، تدرك أن جاذبيتها ليست في الفستان، أو المساحيق، ولكن فيما تملكه من سحر تدعمه الملامح الخارجية، ولهذا يحتفظ لها الأرشيف بفساتين مصنوعة من الخيش، وارتدت أكثر من واحد، ونشرتها الصحف وقتها لتؤكد أن تحت الشوال يكمن السر.
الذكاء الاصطناعي يعيدهم مجدداً للحياة، شاهدنا حفلات «هولوغرام» لعبد الحليم حافظ، ولا نستبعد أن نراه في أغنيات جديدة، كما أن السينما ستعيد لنا مارلين مونرو على أشرطة جديدة، ففي البداية سنشعر بأن هناك شيئاً يبعدنا عن تصديقها، ومع الزمن سنألفها، والتقنية ستجعلها هي الأقرب للحقيقة.
كل شيء ممكن، والمقتنيات التي تركوها يزداد شغفنا بها، وهناك من يحكي، ويحتفظ، أو يخترع حقائق، مثلما يحدث مع سعاد حسني، إذ تم تزوير، قبل سنوات، شهادة زواج غير حقيقية من عبد الحليم!
أتذكر أن النجمة الكبيرة زبيدة ثروت أوصت في أحد البرامج التلفزيونية بأن تدفن بجوار عبد الحليم، كان حليم يريد الزواج منها، ولكن والدها رفض تلك الزيجة، بعد أن شاركته بطولة فيلم «يوم من عمري»، رحلت زبيدة عام 2016، ولم ينفذ أحد وصيتها، فلم تدفن بجوار عبد الحليم، بينما هذا المستثمر الثري الأميركي العاشق المفتون بمارلين مونرو أنتوني جابين ستتحقق أمنيته بعد عمر طويل!