الأردن: اقتصاد ريعي غير مُنتج.. يقوم على الاستدانة.. ويتغذّى عبر الوريد من القُروض والمُساعدات للبقاء على قيد الحياة
- السبت-2024-04-06 | 11:39 am
المهندس سليم البطاينه
أخبار البلد -
يقول عالم الاقتصاد الكندي Michel Chossudovsky صاحب كتاب (عولمة الفقر) ان قروض وبرامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي قد يترك البلدان المقترضة في كثير من الاحيان أكثر فقراً مما كانت عليه من قبل مع مديونية أكبر! وشعباً فقيراً وصفوة حاكمة أكثر ثراء! واذا اراد أياً كان ان يعرف فما عليه إلا النظر الى شوارع تلك البلدان وبيئتها ومنظومتها التعليمية ورعايتها الصحية ونقلها العام.
لم يعد من الضروري التأكيد على عمق ازماتنا الاقتصادية وخطورة تداعياتها الاجتماعية والامنية! فالاردن اليوم حالها متوقف اقتصادياً منذ سنوات طويلة ما لم نختزل الوضع بأنه رواتب توزع بإنتظام! وخدمات خجولة تسير على البركة غير هذا لا شيء! وكافة الخطط والاصلاحات الاقتصادية التي قدمتها الحكومات المتعاقبة لم تتجاوز مرحلة التفكير خارج الصندوق! وأعتمدت كُلياً الاقتراض مما تسبب ذلك في حدوث أختلالات في الهيكل الاقتصادي وفي انعدام توازن الاقتصاد الكُلي! فكيف لنا اذاً ان نحقق نمو اقتصاديا ونحن نغرق اكثر في الديون ؟
واذا أُجيز لنا وصف الاقتصاد الاردني على نحو دقيق ؛ فهو ليس أكثر من أقتصاد مترنحٌ بالريعية! مغلق ومتهالك يقوم على أساس منح الامتيازات ،، والدولة ايضاً توصف بالريعية كونها تتحكم في موارد كثيرة تستطيع بواسطتها توزيع الكثير من العطايا لتحقيق السيطرة السياسية والامنية
هذا النموذج الريعي المُعتمد عمل دون ادنى شك على تشجيع الاستثمارات ذات العائد المرتفع والسريع (كسوق العقار والمضاربة المالية، الخ) بدلاً من التوجه نحو الاستثمارات المُنتجة المولدة لفرص العمل! وعمل ايضاً على تحويل البنوك الى مجرد دكاكين تمنح القروض وتوزع الرواتب! وحال اقتصادنا خير شاهد على ذلك.
الكارثة ان الحكومات جميعها منذ اكثر من 20 عاماً لا زالت حتى اللحظة تعتمد النموذج الاسوأ في استخدام القروض لسد عجز الموازنات، ودفع الاقساط المترتبة على قروض قديمة! اضافة الى دفع تكاليف خدمة تلك الديون التي فاقت معدل الناتج المحلي الاجمالي! والمتابع للشأن الاقتصادي يذهله التخبط في المسارات والخيارات الذي بلغ حالة من الفوضى! والارقام لمن يعرفها تعطينا لمحة أوضح عن حجم الازمة الخطيرة التي نحن بها (ك نسب الفقر والبطالة وارقام المديونية، ومعدل الناتج المحلي الاجمالي وتوقف عدد من المصانع المتوسطة).
الجميع في الاردن يقرّون بالازمة، لكن التباين عند البعض في تقيمها وحجم مخاطرها وصَدماتها المستقبلية.
المؤسف ان جميع برامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي نتج عنها تشريعات زادت الهوة الاقتصادية! وعمقت من الهشاشة الاجتماعية وفاقمتها! وأخفقت في رفع معيشة الناس، وفي مستوى اشباع حاجاتهم الاساسية وعملت على الحد من الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية والحماية الاجتماعية، لنجد ان الاردن اصبحت رهينة الديون التي فاقت كل الحدود.
نعم، كُل مقدمات الانفجار الاجتماعي متوفرة لدينا وما حدث من تراكم للديون كان خطيراً؛ الصادرات أضحت آمل، والانتاج المحلي تراجع وتم تفكيكه، وتم تحويل البلاد الى نهج جبائي وتّر العلاقة بين الشارع والدولة على نحو مقلق.
اذاً، لنعترف ان ادارة الاقتصاد الاردني بالغة السوء تقوم على الاستدانة فقط، وتتغذى عبر الوريد من القروض والمساعدات للبقاء على قيد الحياة! فعندما يتحول وصول وفد من صندوق النقد الدولي الى حدث يستحق ان يخصص له الاعلام الرسمي تقريراً أحتفائياً فأعلم ان وضع البلاد ليس بخير.
ان احتياطي البنك المركزي من العملات الاجنبية ليس شرطاً اساسياً للنمو المستدام، ولا يُمثلُ اولوية في تحقيقه! بل ان انتاج الدولة سلعاً وخدمات بموارد محلية هو الاهم في تحقيق ورفع معدل النمو الاقتصادي، فـ هنالك معادلة اقتصادية مهمة مكونة من شقين: الاولى تقول اذا كان معدل النمو الاقتصادي أعلى من سعر الفائدة وموازنة الدولة العامة متوازنة الى حد ما فسوف تنخفض نسبة الدين العام، والشق الآخر من تلك المعادلة متعلق بالاستثمار ويقول؛ ان أي تدفق للاستثمار المُنتج والمولد لفرص العمل بنسبة 2.6٪ يعني زيادة الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 1٪
واضح جداً ان العقلية السياسية الاردنية لم تعمل أو تجتهد للتخلص من محنة الديون والاعتماد على مواردها المحلية! واستمرار تلك السياسة الريعية يؤشر الى خللٍ فادحاً ورؤية قاصرة للمستقبل، فلدينا حالياً في الاردن ما يقارب مليون عاطل عن العمل! وهذا يستوجب ضخ اكثر من (8 مليارات دولار ) لاستثمارها في المشاريع المنتجة والمولدة لفرص العمل.
و هنالك مثالٌ لدول عديدة في العالم امتلكت قوة العقل مُبكراً في انتاج ثروتها الاقتصادية مثل هولندا التي مساحتها لا تزيد عن 42 الف كم مربع، وعدد سكانها حوالي (17 مليون نسمة ) وارضها منخفضة عن سطح البحر سبعة امتار، وناتجها المحلي بلغ(ترليوندولار).