يللا يللا يا صفية، هاتي البنت وأواعي العرس وكم هِدِم والحقي. استعجلي، الناس قاعدة تهرب، اليهود بيقتلوا الفلسطينية وبيفتحوا بطون الحوامل وبقتلوهن في دير ياسين وقبية.
أنا بدي أجيب أبوي و أمي و اخواني ونطلع. قالولنا اسبوع وبرجعونا ! طيب طيب يا محمد. انت احمل البنت، أوعى تتركها اذا تعبت. تحمل على رأسها بقجة ملابس وبيديها بابور الكاز وصحنين وطنجرة وبكرج الشاي وغلاية القهوة العربية لوالد زوجها. تشبك طرف ثوبها بحزامها و..تجري.
صفية كانت أمي و محمد أبي. عروسان في مقتبل الزواج مع طفلتهما.
تلتم العائلة لتفارق بيتها وأرضها الى غير رجعة..
جدي كان شيخاً مسناً. أركبوه حمارة العائلة بالتناوب مع جدتي المريضة ومعهما ابنتهما الصغرى آمنة. مشوا مع أهل القرية «الجماسين» التي أقيمت عليها مع ست قرى أخرى من قرى يافا بعد تدميرها و تهجير أهلها « تل أبيب» التي كانت « تل الربيع «. رصاص عصابة الهاغاناة كان فوق رؤوسهم والخوف والتعب يكاد يشل أرجلهم.
كلما ابتعدوا عن قريتهم كان الرصاص يخف. كان الهدف تهجيرهم و «تخفيف «عددهم بالقتل والمذابح كما يحدث الآن في غزة.
« كنا يُمَا نمشي بسرعة وكل عيلة لما تبعد عن الثانية تستنى وبعدين نكمل سوا. مرة لقيت فردة حفاية ستك وكانوا سابقينا وقلت لأبوك هاي حفاية عمتي وحملتها، من الخوف طلعت من رجلها و تركتها. لما نتعب نستريح تحت الشجر. نمر بقرية ورا قرية، مرات نلاقي طحين ونخبز عالحطب ومرات ناس يطعمونا «. تضحك أمي و هي تكرر علينا في المخيم، الأول وليس الأخير، سرد تفاصيل النكبة التي لم يكونوا يعرفون أنها «نكبة العصر».
وين كنتوا تناموا يُمَا ؟
« في المُغُر يما – جمع مغارة. فوق قبور قديمة قالولنا انها للرومان بس سيدك كان شيخ طريقة – تقصد صوفي على طريقة الشيخ عبد القادر الجيلاني والشيخ أحمد الرفاعي – كان يقرأ قرآن و يعزِم - يقرأ أدعية - ويحكيلنا خلص توكلوا على الله وننام. مرات نسمع اصوات لكن من التعب ننام «.
مع أذان الصبح ولما يشقشق الضو نكمل مشي - طبعاً بدون خوف لأن عصابات الهاغاناة و شتيرن و ليحي صارلهم دولة أسموها «اسرائيل». كل رؤساء وزراء « الدولة « كانوا من اعضاء هذه العصابات ومنهم بن غوريون و اسحق شامير وشمعون بيريز وغولدا مائير التي اعترفت في مقابلة أنها قبل 1948 كانت فلسطينية.
جميعهم جاؤوا الى فلسطين تحت الانتداب «الاستعمار» البريطاني من دول أوروبية أغلبها شرقية مثل بولندا و أوكرانيا ولاتفيا. يحملون تأشيرات دخول الى « دولة فلسطين «. بعضهم بصفة عامل نظافة و بعضهم بصفة مزارع وحارس. وكله بترتيب بريطاني تنفيذاً لوعد بلفور.
تلك العصابات ارتكبت مذابح وجرائم واغتصابات بحق أهل فلسطين لكن لم يكن وقتها فضائيات ولا وسائل تواصل توثق تلك الجرائم. لكن ثمة فيديو على اليوتيوب يتحدث فيه اثنان من مجرمي العصابات ما فعلوه بالفلسطينيين العام 48. يسأل المذيع أحدهم : كم قتلت من الفلسطينيين؟ يضحك «باعتزاز» : كثيرون لم أكن أعدهم. كنا نجمع الرجال في خندق ونطلق الرصاص عليهم. يقول الآخر وهو أيضاً يقهقه : لقد اغتصبت فتاة ثم قتلتها.
المفارقة أن من يكشف عن جرائم النكبة هم اسرائيليون خاصة المؤرخين الجدد أمثال بيني موريس وغيره. فكم من مجزرة ارتكب مجرمو الصهاينة في غزة سيكشف عنها التاريخ عدا جرائم الابادة و التجويع والتعطيش التي تجري تحت سمع وبصر العالم وصمت العرب؟
ان من اهم نتائج السابع من اكتوبر أن العالم بدأ يصحو على بداية الجريمة والتقط خيط الدم الأول في النكبة الأولى. وصرنا نرى و نسمع اعلاميين وسياسيين و فنانين غربيين واميركيين يتحدثون عن نكبة 1948 وعن زيف الدعاية الصهيونية ووسائل الاعلام التابعة لها بأن لا وجود لشعب فلسطيني وعن حق هذا الشعب في دولة مستقلة.
لم ولن تنتهي الحكاية بعد...