رواية كيسنجر... روسيا والنظام العالمي

رواية كيسنجر... روسيا والنظام العالمي
فهد شقيران
أخبار البلد -  

في كل الأحداث السياسية ثمة ارتباطات تاريخية. هذا ما منحته مقابلة بوتين لبعض المتابعين والمحللين، بعض المراسلين و«التغطويين» في الشاشات يذهبون نحو التحليل السهل، نحو قصص التهجير أو الصواريخ والقاذفات والبوارج والمدافع، وإنما في قصة أوكرانيا روسيا تحديداً ثمة ما هو أبعد. إن الإرث المديد من النزاعات عبر التاريخ هو الذي يحدد مستوى ونقاط ودوائر الحروب، وهذا ما تُحدثنا عنه موروثات التاريخ الحربي منذ الغزوات الكبرى بين إسبرطة وأثينا، وليس انتهاءً بروسيا وأوكرانيا. وإذا عدنا إلى عدة الدرس الكبرى للثعلب الراحل هنري كيسنجر فسيأتينا ببعضٍ من النبأ التحليلي المتين.

يرى كيسنجر في كتابه «النظام العالمي» أنَّ موقف روسيا من أوروبا لطالما كان غامضاً، و«مع تمزق إمبراطورية شارلمان في القرن التاسع وتحولها إلى ما كانت ستغدو دولتَيْ أو أمتي فرنسا وألمانيا، ثمة قبائل سلافية على بعد آلاف الأميال شرقاً كانت قد تآلفت في اتحاد قام حول مدينة كييف (عاصمة الدولة الأوكرانية ومركزها الجغرافي الآن، رغم أن جل الروس يرونها جزءاً لا يتجزأ من ميراثهم)». «أرض الروس» هذه كانت واقعة عند نقطة التقاطع المشحون للحضارات ومفترق طرق التجارة. ومع أقوام الفايكنغ شمالاً والإمبراطورية العربية المتوسعة جنوباً، إضافة إلى حشد من القبائل التركية في الشرق، كانت روسيا أبدياً أسيرة خليط من الإغراءات والمخاوف. وكانت روسيا، التي تبعد كثيراً إلى الشرق لكي تكرر تجربة إمبراطورية روما (وإن تشبَّه «القياصرة» الروس بنظرائهم الرومان مدعين أنهم أسلافهم)، والمسيحية التي تضع نصب أعينها الكنيسة الأرثوذكسية في القسطنطينية بدلاً من روما التماساً لمرجعية روحية، على قرب من أوروبا، يكفي لجعلها تتقاسم مفردات ثقافية مشتركة، ولكن أبدية الغربة عن تيارات القارة التاريخية. كان من شأن التجربة أن تُبقي روسيا قوة «أوراسية» فريدة متمددة عبر قارتين، ولكن دون أن تكون منتمية كلياً إلى أي منهما.

لكن ما هو الزمن الأكثر تفككاً؟ يجيب: «كان التفكك الأكثر عمقاً قد حدث مع الغزو المغولي في القرن الثالث عشر، ذلك الغزو الذي أخضع روسيا المقسمة سياسياً ومسح كييف من على وجه الأرض. قرنان ونصف القرن من السيادة المغولية (1237 - 1480) وما أعقب ذلك من صراع لاستعادة دولة متماسكة مستندة إلى محيط دوقية موسكو فرض على روسيا توجهاً شرقياً تماماً حين كانت أوروبا الغربية عاكفة على اقتحام الآفاق التكنولوجية والفكرية الجديدة المرشحة لاجتراح الحقبة الحديثة. إبان حقبة الاكتشافات البحرية في أوروبا، كانت روسيا تنوء تحت وطأة الانشغال بإعادة تأسيس ذاتها بوصفها دولة أو أمة مستقلة وبتعزيز حدودها ضد تهديدات صادرة من جميع الاتجاهات. وفي حين أن حركة الإصلاح الديني البروتستانتية تمخضت عن فرض التنوع السياسي والديني في أوروبا، فإن روسيا ترجمت سقوط قِبْلتها الدينية الخاصة، القسطنطينية والإمبراطورية الرومانية الشرقية، بأيدي الغزاة المسلمين في 1453 إلى نوع من القناعة الصوفية بأن القيصر الروسي بات الآن (كما كتب الراهب فيلوفي لإيفان الثالث نحو 1500) الإمبراطور الوحيد لجميع المسيحيين في الكون كله. مع رسالة مسيحانية داعية إلى استعادة بيزنطة الساقطة للملكوت المسيحي».

بالتأكيد كما ذكر بوتين في مقابلته تريد روسيا أن تبقى لاعباً محورياً في الساحة الدولية.

يرى كيسنجر أن روسيا طلبت أن تلعب دوراً فريداً في الشؤون الدولية، جزءاً من توازن القوة في كل من أوروبا وآسيا، ولكن غير مساهمة في توازن النظام الدولي إلا على نحو متقطع. أشعلت حروباً أكثر من أي قوة رئيسية معاصرة، إلا أنها عملت أيضاً على إحباط هيمنة قوة واحدة على أوروبا، إذ تصدت بقوة لتشارلز الثاني عشر السويدي، ونابليون، وهتلر، حين كانت عناصر توازن قارية أساسية قد تعرضت للاجتياح.

وروسيا ظلت سياستها - بحسب كيسنجر - تعزف على وترٍ يخصها وحدها لقرون، متوسعة على كتلة قارية مغطية جل المناخات وأكثرية الحضارات، متوقفة أحياناً لبعض الوقت جراء الحاجة إلى تعديل بنيتها الداخلية بما ينسجم مع ضخامة المشروع، لا لشيء إلا لتعود من جديد مثل مدٍّ عَبَرَ شاطئاً. فمن بطرس الأكبر إلى فلاديمير بوتين تغيرت الظروف، ولكن الإيقاع بقي مطرداً على نحو غير عادي. أما تجربة روسيا مع التاريخ، فإن القيود على القوة كانت تعني الكوارث، فإخفاق روسيا في السيطرة على المساحات المحيطة بها كان حسب وجهة النظر هذه قد أدى إلى كشفها أمام الغزوات المغولية وإغراقها في مستنقع حقبتها الكابوسية المعروفة باسم «حقبة المتاعب» (حقبة 15 سنة من انقطاع الحكم الوراثي قبل تأسيس سلالة رومانوف الحاكمة عام 1613، وهي حقبة أودت بحياة ثلث الكتلة السكانية الروسية من جراء الغزوات، والحروب الأهلية، والمجاعة).

الخلاصة؛ أن الحروب كلها إنما هي امتداد لمعارك تاريخية طاحنة، والتاريخ لا يعيد نفسه، لأن الزمن لا يمرّ مرتين، والحدث لا يدور على حالته كما هي في زمنين مختلفين، لكن للتاريخ درسه وعبرته وحكمته، لا يمكن إهمال الحيثية التاريخية الضاربة للصراع الأوكراني الروسي، والحروب كلها ذات بعد تاريخي عميق.
شريط الأخبار توماس فريدمان: هكذا سيجعل قانون ترامب "الكبير والجميل" الصين عظيمة تغييرات صادمة تهز قائمة أغنى 10 أثرياء في العالم! الاحتلال يعلن اعتراض صاروخ من اليمن بعد دوي صفارات الإنذار 120 دعوى عمالية لدى "سلطة الأجور" بوزارة العمل في النصف الأول من 2025 خبير يفجر قنبلة: لا علاقة لرفع الحد الأدنى لراتب التقاعد بالدراسة الإكتوارية ارتفاع حصيلة قتلى فيضانات تكساس إلى 50 شخصا حتى الان (تحديث مستمر) طلبة "التوجيهي" يواصلون التقدم لامتحان الثانوية العامة وفيات اليوم الأحد 6-7-2025 أجواء صيفية اعتيادية في أغلب المناطق حتى الأربعاء فتوى إيرانية تطالب بصلب ترمب ونتنياهو والغرب يتخوف من هجمات إرهابية "الصحفيين" تناقش عددا من القضايا المهمة الاتحاد الاردني لشركات التأمين يستكمل المسيرة المهنية لشهادة التأمين من معهد التأمين القانوني في بريطانيا 27% من اللاجئين السوريين في الأردن يرغبون بالعودة العثور على أفعى داخل "المؤسسة المدنية" برأس العين في العاصمة عمان صناعة عمّان: تأسيس مجلس تنسيقي سوري أردني يعزز العلاقات ويعيد تفعيل الخط الحجازي استقالة مفاجئة للناطق باسم نتنياهو إثر "خلافات مع سارة نتنياهو" صواريخ إيران اخترقت أنظمة الدفاع الإسرائيلية 36 مرة وأصابت 5 قواعد وشردت 15 ألف مستوطن العثور على جثة فتاة في منزل ذويها بمعان... وأخرى لشاب في إربد الزراعة تقدم قروضًا لهذه الفئة من المزارعين "دائرة الأراضي" ممنوع التواصل والكتابة والنشر... العموش يضيقها مجدداً - وثائق