لا يستمع قادة الاحتلال الإسرائيلي لكل النداءات التي تطالبهم بوقف إطلاق النار، ولا يلتفتون للتحذيرات، والمخاوف من جرائم حرب جديدة يمكن أن تقع إذا ما واصلوا حربهم في رفح.
ربما يؤشر ذلك بشكل واضح جدا أن هدف الحرب على غزة بعد هجوم السابع من أكتوبر هو التهجير القسري للغزيين، وكل ما تسوقه إسرائيل عن القضاء على حماس، واستعادة الأسرى، ليس الهدف الأساسي، والإستراتيجي لدولة الفصل العنصري، ولذلك تكثر السيناريوهات عن مستقبل غزة، وتمسك قادة الاحتلال بالسيطرة عليها، واندفاعهم للتوسع الاستيطاني بها، حتى أن هناك مخططات هندسية جاهزة لمستعمرات تطل على بحر غزة.
الموقف المصري الرسمي واضح ضد التهجير، وإن الضغط على سكان غزة الذين لاذوا إلى رفح كمكان آمن للجوء إلى الأراضي المصرية خط أحمر، وعدوان على الدولة، ولكن السؤال الذي يُناقش، ماذا لو أجبرت قوات الاحتلال الناس على اجتياز الحدود طلبا للنجاة بأرواحهم، ماذا ستفعل مصر، هل تمنع دخولهم، هل يمكن أن تراهم يقتلون، ولا تغيثهم؟
رغم استمرار حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، فإن الحديث بدأ يتصاعد عن الحل السياسي، وتسوق أميركا كلاما عن ضرورة الاعتراف بحل الدولتين، ويذهب النقاش إلى وجود خلية عمل عربية، دولية تبحث في التصور المستقبلي لشكل السلطة الفلسطينية، وقيادتها.
إذا كان المجتمع الدولي عاجزا عن فرض وقف لإطلاق النار، والأمم المتحدة لا تملك تطبيق ميثاقها الأساسي الذي ينص على وقف الحرب، وحفظ السلم الدولي، وإسرائيل تُجاهر علنا بالاستخفاف بأي صوت يطالب بوقف الحرب، وإدخال المساعدات الإنسانية، فكيف تريد أن تقنع الفلسطينيين، وتعدهم أن الحل السياسي قادم، والبلطجة الصهيونية مستمرة؟
قبل أكثر من 30 عاما كان اتفاق أوسلو، وبموجبه بدأت عملية السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ولكن قادة الاحتلال الذين يذهبون للتطرف كل يوم أكثر، داسوا هذه الاتفاقية بأقدامهم، ولم يعد لها على أرض الواقع أي مفعول، سوى سلطة هزيلة لا تمون على أحذيتها، وتنسيق أمني يساعد الاحتلال على السيطرة على الفلسطينيين.
ما بعد وقف الحرب على غزة، يبحث في مصير حماس، ومآلات السلطة الفلسطينية، وتحديدا مصير الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومن سيخلفه، ومواصفات رئيس الحكومة المقبل، والحاجة لاستمرار أبو مازن بصفة مؤقتة لترتيب البيت، وبناء توافقات فلسطينية، إقليمية، دولية؟
قيل إن رئيس الحكومة الفلسطينية القادم حُسمت أوراقه، وجرى التوافق عليه، وما يتداول، ويتسرب أن السلطات الثلاث التي يفرض محمود عباس قبضته عليها، لن تستمر على هذا الوضع، فحركة فتح سيكون لها رئيس، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير سيقودها شخص آخر، والسلطة الفلسطينية سيكون على رأسها زعيم جديد؟
أول الخاسرين لأوراقهم، ومصادر قوتهم في البيت الفلسطيني الذين كانوا أقرب لإسرائيل، والمجتمع الدولي، من قيادات أمنية، وسياسية، فاستطلاعات الرأي التي تشير إلى تنامي تيار واسع يؤيد الكفاح المسلح، وقناعته بفشل الحلول السياسية، لن يعطي ثقته لمن وضعوا بيضهم كله في سلة الحلول السياسية لعقود، واكتسبوا قوتهم من التعامل مع الاحتلال، والتماهي أحيانا مع أجندته.
لو افترضنا جدلا أن الولايات المتحدة الأميركية، وخلفها أوروبا تريد فعّلا حل الدولتين، لأن الحرب على غزة أثبتت أنه دون حل عادل لقضية فلسطين سيستمر الصراع، وستبقى منطقة الشرق الأوسط مشتعلة، ومضطربة، وأن الحلول العسكرية مهما فعلت، وتمادت في القتل لن تستأصل جذور المشكلة، واحتواء الصراع يكون بإدماج الجميع في تسوية كبرى، تمتد من إيران، ودول الخليج، وكل الدول التي تشهد اضطرابات، لو افترضنا أن هذه هي القناعات، والسيناريوهات هي التي استقرت، فمن سيغير قواعد اللعبة في إسرائيل التي يحكمها عنصران متطرفان يجدون سلطتهم في التوحش، والتوسع الاستيطاني، وفرضت هيمنتها على المنطقة، وتأديب من يحاول أن يخرج على سلطتها؟
مهما كانت «الجزرة» التي يضعها قادة العالم الغربي لإسرائيل حتى تقبل بمنطق الحلول السياسية، فإن كل التقديرات أنها لن تجد أذانا صاغية، وترحيبا.
مثلا؛ التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل يتم ترويجه الآن كثمرة ممكنة إذا تم وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، والموافقة على اقامة دولة فلسطينية، ولكن إسرائيل ما زالت مقتنعة أنها تستطيع أن تكسب، وتفرض التطبيع بقوتها، ومساندة أميركا، وسكوت المجتمع الدولي، وعدم معاقبتها، والنتيجة؛ إذاً لماذا تكترث بالحلول السياسية، وترى أنها ستقدم تنازلات إذا كانت تستطيع أن تفرض أجندتها عنوة، حتى لو كانت غارقة بدم أبرياء غزة، وتلاحقها كل جرائم الحرب، والإبادة؟