تشهد البلدان العربية , التي أسقط الربيع العربي أنظمتها , حالات إنفلات أمني تستحق الوقوف عندها والنظر إليها من مختلف الزوايا , كي لا تظل عائقاً أمام طيّ صفحة الماضي والبدء باستشراف المستقبل . ولا أريد هنا تكرار قضية فرار الأمريكيين المُتّهمين في قضية التمويل الأجنبي من كُبرى البلدان العربية ( مصر ) فقد تم تغطيتها على نطاق واسع , ولا بد من مجيء اللحظة التي تكشف خيوطها كاملة . كما ولا أريد الحديث عما يجري في الحبيبة تونس الخضراء , فالإضطرابات الأمنية التي تشهدها ناجمة عن وضع ديكتاتوريّ سابق دام طويلا.
لكني سأتوقف عند واقعة حدثت في ليبيا خلال الأيام القليلة الماضية , وليس هي قضية انفصال بُرقة لا سمح الله . فكلنا لا يرغب إلا برؤية الوطن العربي الواحد المُوحد , ومَنْ غير العملاء والجواسيس يرغبون في تمزيق جسد هذه الأمة الضّاربة في أعماق التاريخ ؟, والعصيّة على الإنكسار مهما اشتدّ تكالب الأعداء عليها وعى خيراتها ومواردها .
ألواقعة مُلَخّصُها يتمثّل في قتل الفتى زكريا بوعقيلي في مكان ما من العاصمة الليبية طرابلس , وسبب هذه الجريمة البشعة أن العصابة التي اُخْتطفته لابتزاز والده الثّريّ أنهت مهلتها له لدفع مَطْلبها , ولمّا استدرجت والده للتفاوض معه إختطفته هو الآخر ولا أعلم شيئاً حتى اللّحظة عن مصيره , فيمَ انتهى أمس بيت الأجر لإبنه المغدور . وقد شهدنا طيلة الفترة التي أعقبت سقوط النّظام العراقي , آلافا من مثل هذه الوقائع المروعة ولا نزال نسمعها كل يوم.
لا نريد للربيع العربي الذي طبّلنا له أن يكبوا أو أن تُصبح أهدافه بأيدي عصابات إجرامية , تستحلّ ما حرم الله وما هو غير مألوف عندنا لِتُتيهَ بوصلته . فقط من أجل بسط نفوذ المافيات الإجرامية في بلداننا العزيزة .
آلمَتْني كثيراً حكاية الغلام المغدور زكريا ووالده الذي لا يزال رهن الإعتقال من قبل السّفاحين , وأدعوا الله أن يرحم زكريا ويفك قيد أبيه فوراً