أكد متحدثون في الندوة التي أقيمت أول من أمس في المكتبة الوطنية بعنوان "حرب غزة: الآثار الاجتماعية والنفسية على شعب غزة"، على أن ما يقوم به العدو الصهيوني يهدف إلى تدمير البنية الاجتماعية للشعب الفلسطيني وتحديدا في غزة من خلال المجازر التي يقوم بها.
تحدث في الندوة التي أدارتها ريم الكيالي، الدكتورة مرام أبو النادي من جامعة البترا، رئيس منتدى المستقبل الثقافي، مدير مؤسسة المفكر للدراسات سابقا عماد الحاج إسماعيل، وحضرها مدير عام المكتبة الوطنية الدكتور نضال الأحمد العياصرة.
بدأت د. أبو النادي بتعريف الصحة النفسية على أنها حالة من الرفاه النفسي تمكن الشخص من مواجهة ضغوط الحياة، وتحقيق إمكاناته، والتعلم والعمل بشكل جيد، والمساهمة في مجتمعه المحلي. وهي جزء لا يتجزأ من الصحة والرفاه اللذين يدعمان قدراتنا الفردية والجماعية على اتخاذ القرارات وإقامة العلاقات وتشكيل العالم الذي نعيش فيه.
ولفتت أبو النادي إلى تحذير منظمة الصحة العالمية من تفاقم الأوضاع في غزة جراء الحرب الدائرة، وقالت إن الوضع يستعصي على الوصف، وأشارت إلى الآثار والعواقب النفسية طويلة الأمد على الناجين والأسر، ووصلت لمفهوم صدمات الحرب فأي تجربة مؤلمة تنجم عن صراع عسكري تعد صدمة حرب، ويمكن أن تنطوي تلك التجربة على أحداث قد تهدد حياة الشخص أو السلامة الجسدية - مثل التعرض للقصف، أو التعرض لإصابة خطيرة، أو الاعتداء الجنسي، وما إلى ذلك؛ أما عن النتيجة التي تنجم عن صدمات الحرب على الصعيد النفسي فهي اضطرابات الصحة العقلية.
واستعرضت أبو النادي مسببات صدمات الحرب بين أن يشهد الأشخاص اندلاع الحرب وتعرضهم مظاهر العنف مثل رؤية شهداء وجرحى ومشوهين، وغيرها من المسببات والتي يشهدها القطاع إلى هذه اللحظة وقد تكون فئات بعينها أكثر عرضة للإصابة بأمراض نفسية ناجمة عن التعرض لصدمة حرب مثل النساء (خاصة الحوامل والأرامل والمراهقات) والأطفال (خاصة أولئك غير المصحوبين بذويهم بمن فيهم الأيتام) وكبار السن (خاصة من فقدوا أفراد الأسرة الذين كانوا يرعونهم)، واللاجئين والنازحين.
وعددت أبو النادي أبرز الأمراض الناجمة عن صدمات الحرب ومنها القلق والاكتئاب والفصام الاضطراب ثنائي القطب ونوهت أن معايير تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة لدى النساء بمقدار الضعف مقارنة بالرجال.
وخلصت أبو النادي إلى أن العلاج لن يكون سريعا فهو ليس الترياق الذي يشفي بلمسة سحرية فعلاج صدمات الحرب يتطلب الوقت بتوفر الدعم النفسي والاجتماعي الأساسي ومعلومات الرعاية الذاتية، بينما تحتاج نسبة أقل من الأشخاص إلى مزيد من الرعاية الفردية (في شكل علاج فردي أو جماعي)
عماد الحاج اسماعيل قال ما يزيد الألم أهل غزة، هو تلك الأصوات التي بدأت تتسابق بالإعلان عن استعدادها لإعادة إعمار غزة، وكأن الإنسان الفلسطيني في غزة هو مجرد خلطات اسمنتية وبلوك بناء يمكن إعادة بنائه ببساطة، عن أي إعمار يتحدثون بعد أن شارف النسيج الأمني الاجتماعي في قطاع غزة على الدمار الشامل.
وأكد إسماعيل على أن أهل غزة كانوا وما يزالون يطلبون العيش بمجتمع آمن وكرامة مثل غيرهم من البشر، ولكن آلة الدمار الصهيوني والصمت العالم على هذا الدمار الممنهج جعل مستقبل مجتمع غزة في مهب الريح.
وأشار إسماعيل إلى أننا أمام آلة تدمير مجتمعية، وعدو جل أفراده مرتزقة، لا يعرفون معنى الإنسانية أو العلاقات الأسرية، فالهدف الرئيسية لهذا العدوان على غزة هو "تدمير المجتمع الفلسطيني وتحويله إلى مجتمع يعاني من أزمات اجتماعية مثل التشرد والاعاقات والتفكيك الأسري"، وبالتالي تفكيك العلاقات الإنسانية بين أفراد مما يخلق مجتمعا مشوها وعاجزا.
ورأى إسماعيل أن العدو الصهيوني استخدم أسلوب التدمير والقتل الكامل للأسر التي هي "إصلاح البنية الأساسية في بناء المجتمعات"، وإذا استعرضنا نظرية عالم النفس "إبراهم ماسلو"، حول الحاجات الإنسانية الأساسية للفرد حتى يكون عنصرا فاعلا في مجتمعه نجدها تتقاطع مع ما يحدث الآن في غزة مثل:
أهم احتياجات الفرد التي تحدث عنها ماسلو هي أولا احتياجات "الفسيولوجية" وتشمل (الغذاء، الماء، الكهرباء، الدواء، المسكن) فقد استهدف العدو الصهيوني هذه الاحتياجات من خلال قطع الماء والكهرباء والدواء عن سكان غزة طبعا تدمير المساكن على سكانها.
أيضا احتياجات الأمان والتي تتضمن (الأمان الأسري والسلامة الجسدية)، وهذه أيضا دمرها العدوان من خلال قصف المستشفيات والتسبب باعاقات جسدية للآلف من أطفال ونساء غزة، اما الاحتياجات الاجتماعية والتي تنطوي على العلاقات الأسرية والعاطفية وحنان الأبوين وهذه قتلها العدو من خلال تركيزه على قتل المدنيين وخاصة الأطفال والنساء لخلق مجتمع غير متوازن وغير آمن وللأطفال الذين فقدوا أمهاتهم أو آباءهم.
اما الحاجة للثقة والقدرة وهذا انعكس على سكان القطاع كاملا، وصولا لمرحلة فقدان الثقة بالعالم والسكوت عما تمارسه آلة العدو الصهيوني من تدمير وقتل ممنهج، وتدمير مدارس وجامعات ومراكز تدريب إبداعية حتى يفقد المجتمع الغزي ذاته لانعدام توفير وسائل وأماكن الإبداع والإنجاز".
وخلص إسماعيل إلى ما جاء على لسان أحد أطفال غزة لمراسل تلفزيوني "لقد قتلوا أبي، لقد فقدت سندي وأصبحت بلا سند، فكيف سأكمل حياتي؟؟"، طفلة أخرى يقول وهي ترتجف، لقد فقدت حضن أمي، لم يعد يحضنني ويدفيني بحضنه"، امرأة أخرى لم تتمالك نفسها مجهشة بالبكاء، فقالت "لقد راح عماد بيتنا زوجي، قتله الصهاينة ولم يعد لبيتنا عماد"، مؤكدا على أن هذه الكلمات خرجت من قلوب وحناجر أناس مقهورين ومظلومين في عالم صامت أو متآمر عليهم، فقط لأنهم يطلبون العيش مثل بقية البشر بحرية وكرامة وأمان على ارضهم.